وبلغ الحزن بالأسرة منتهاه، ودعت فرجة على الوالي بالهلاك، وشددوا في المحافظة على عزيز الذي واصل تعليمه في الكتاب، ومضت أعوام فاشتغل عزيز ناظر السبيل بين القصرين وتزوج من نعمة المراكيبي ابنة عطا المراكيبي، وإذا بداود يرجع إلى الغورية وقد أتم تعليمه ... وفرحت الأسرة بعودته فرحة كبرى، ولكنها لم تدم، إذ قال داود: سيرسلوننا في بعثة إلى فرنسا.
فصاح يزيد: بلاد الكفار! - لنتعلم الطب.
وصاح عزيز: لولا عنايتك يا رب لكنت من الذاهبين!
وسافر داود ليخوض تجربة ما كانت تجري له في حلم، وفي غيابه توفي يزيد المصري وفرجة الصياد، وأنجب عزيز رشوانة وعمرو وسرور، ووثب عطا المراكيبي من حضيض الفقر إلى ذروة الثراء، ثم انتقل من الغورية إلى سراي ميدان خيرت، ورجع داود طبيبا، وقصد مسكنه القديم بالغورية الذي انفرد به عزيز وأسرته. جمع الحب مرة أخرى بين الشقيقين، وجعل عزيز يراقب أخاه باهتمام وتوجس، سره أن يجده محافظا على صلاته، شغوفا كالعادة القديمة بزيارة الحسين، وإن تغير زيه، وإلى درجة ما لهجته. وبدا له أن يطوي في أعماقه النصف الآخر الذي اكتسبه في بلاد الكفار. سأله: ألم يحاولوا أن يردوك عن دينك؟
فأجاب ضاحكا: كلا ألبتة.
وود أن يحدثه أكثر «عنهم»، ولكنه آثر السلامة، وسأله أيضا: هل حقا تشرحون الجثث؟
فأجاب: عند الضرورة ومن أجل خير البشر!
فيحمد عزيز الله في سره على إكرامه له بالهرب في ذلك اليوم البعيد، وقال لأخيه: لولا ظروفك لكنت أبا من زمن.
فقال داود: هذا هو شغلي الشاغل.
وكانت توجد أسرة تركية بدرب قرمز ... «آل رأفت» فأشار إليهم قائلا: لعلهم يرضون لبنتهم بطبيب عائد من فرنسا!
Bilinmeyen sayfa