التودا هم، كما ذكرنا، أسنى سكان نل غيري، وهم يتصفون بطول قاماتهم وكثافة شعورهم السود وكثاثة لحاهم الجعدة وغلظ شفاههم، واستقامة أنوفهم على العموم، وقناها في الغالب ، ورشاقة خطاهم، ولا نستطيع أن نلصقهم بالهمج لدعتهم وطلاقة وجوههم ومرحهم ولطفهم وسلامة سرائرهم وعاداتهم السلمية وحسن الذوق في ملابسهم وصفاء سحناتهم، ونعدهم عنوان الهمجي المثالي، وإن شئت فقل عنوان إنسان الطبيعة الذي راق وصفه روسو ومن على مذهبه في القرن الثامن عشر.
وتجيء كلمة تودا بمعنى الرعاة، ولا يعنى التودا بغير رعاية مواشيهم، وما في نل غيري من المراعي الصالحة يقيت أطيب القطاع، والألبان أهم ما يتغذى به التودا، وبلغ احترام التودا للأنعام درجة العبادة، والبقرة عند التودا هي الحيوان المقدس كما هو أمر البداغا، والزريبة هي كنيسة التودا، ويدعى كاهنهم بالبلال أو اللبان الأكبر، ويرى التودا أن حلاب البقر وصنع الزبد والجبن من أقدس الأعمال الدالة على جلال خلق من يتعاطاها، ويعتقد التودا أن الإلاهة العليا هي بقرة مشهورة النسب، والحبر الأعظم لدى التودا هو أقدم الرعاة في فن تربية الحيوانات والعناية بها.
والبقرة، وهي حيوان التودا المقدس، تشترك في جميع طقوسهم وترأس جميع حوادثهم المهمة، فإذا ولد تودي جعل في حرز القطاع، وإذا مات تودي عرض أمام جثته بقر عشيرته وذبحت اثنتان منها لتتبعاه في ملكوت الأرواح، ويحمل عجل اسمه بساوا خطايا التودا في بعض أيام السنة فيطرد بالعصي إلى الغاب فيكون لهؤلاء القوم بذلك تزكية وتطهير، وفي هذه العادة من المشابهة لأمر تيس العبريين ما لا يخفى على المتأمل.
ويعبد التودا أرواح الأموات، خلا عبادتهم للبقر، شأن الشعوب الفطرية، فإذا قعص
6
أحدهم خيل إليهم أن روحه تعود عطشى للانتقام حائمة حول ما قتل به من السلاح فيكون هذا السلاح المضرج محل احترام لديهم فيحفظونه بين ذخائرهم ومماخضهم وآنية زبدهم وقوالب جبنهم.
ومن خرافات أهل نل غيري الطريفة أن يروا بين الكورومبا، أصحاب الأدغال الغلاظ المتعودين الأبخرة الوبيئة والهالكين في الأمكنة العذية،
7
سحرة ذوي قوة لا حد لها، فإذا أصابت مصيبة أسرة تودية أو إذا اجتاح وباء سوائم بداغا استدعوا، على عجل، كورومباويا وابتهلوا إليه أن يقف الشر الذي أحدثه، فلبى ضراعتهم وأخذ يكثر من الحركات والالتواء ، ثم ارتمى على الأرض زاعقا صارخا.
ويحترم التودا الشجر، أيضا، احتراما دينيا، وبيان الأمر أن نكاحهم، وهو فطري، لا يكون شرعيا إلا إذا بلغ حمل الفتاة، من غير عائق، الشهر السابع للمرة الأولى، فيذهب الزوجان، إذ ذاك، إلى الغابة كي يقضيا ليلة تحت شجرة جميلة من أشجارها جاعلين إياها حامية للطفل القادم، فإذا ولد هذا الطفل أخذ أبوه ورقا منها وثناه على شكل قدح وصب فيه ماء قليلا ثم بللت شفاه الأبوين والطفل به فتم بهذا تأليف الأسرة حقا.
Bilinmeyen sayfa