ولم ينثن أولئك الإخوة الخمسة أمام تلك الأعمال المرهوبة بفضل ذرعانهم الساحرة، فهزموا وحدهم جيشا خرج على ملك كانوا جنودا له كاتمين أسماءهم.
وتجد قصص أعمال البطولة ممزوجة بالخوارق في المهابهارتا، وتجد اختلاط مسائل ما بعد الطبيعة بكثرة فيها، فترى في الكتاب السادس منها، مثلا، مباحث دينية مطولة، وفيها تبصر كرشنا الذي تجسد فيه الكائن الأعلى وشنو يحدث في وسط المعركة أخاه أرجنا الباسل، الذي تجسد فيه وشنو أيضا، عن بطلان متاع الدنيا وعن مصير المخلوقات وعن تدرجها إلى الفناء في برهما وعن وجوب قمع الرغبة وما إلى ذلك من النظريات القريبة من المبادئ البدهية.
وأدلة لاهوتية كتلك لا تمنع من ضربات السيف، فمع أن وشنو تجسد في واحد من باندوا لم ينتصر هذا على أعدائه كوروا إلا بعد قتال هائل دام ثمانية عشر يوما، والنصر بعد أن تم لباندوا استطاعوا أن يسيطروا بسلام، وهم عندما شعروا بدنو أجلهم توجهوا، ومعهم زوجتهم المشتركة الفتانة دروبدي، إلى جبال همالية حيث ماتوا بالتتابع ليرفعوا إلى مقر الآلهة الخالدة حالا، فهنالك علم أن وشنو لم يتجسد في واحد من بنداوا فقط، بل ظهر تجسد مختلف الآلهة في أعدائهم الكوروا أيضا، فضلا عن الإخوة الأربعة.
هذا هو الأساس الذي قام عليه ذلك الديوان الحماسي الذي لا ينضب معينه، وهو، كما ترى، ذو مسحة أريستوقراطية كهنوتية، فلم يذكر فيه سوى الآلهة والكهان والملوك، ولا تجد فيه إشارة إلى الشعب ولا إلى العامل ولا إلى التاجر، إلخ، وفي ديوان الحماسة ذلك شعر رائع يمكن قياسه بأجمل الأشعار الأوميروسية، ولا ريب في أن أدبه أرقى من أدب الإلياذة والأوديسة، ولكن ما فيه من شوائب ظاهرة لا يغري الأوربي على مطالعته، فهو ينقلنا إلى بشرية بائدة تختلف عنا بتفكيرها وشعورها ونظرها إلى الأمور اختلافا تاما، وهو يعرض علينا عالما من المبادئ الوهمية تسحر الإنسان في دور طفولته لا في دور كالدور الحاضر.
وإننا نختم تلك الخلاصة بمختارات معتدلة الخيال اقتطفناها من المهابهارتا:
هبوط يودهيشتيرا إلى الجحيم
تبع يودهيشيترا رسول السماء من العلياء بخطى واسعة، فياله من سقوط مشئوم! ويا لها من رحلة هائلة! ذلك هو مأوى الأرواح المجرمة الغارقة في ظلمات حالكة والمدثرة بنبات خبيث والمتنشفة رائحة الإثم الوبيء واللحم والدم، ذلك هو المأوى المملوء بالجثث والشعر والعظام والفاسد بالديدان والهوام، ذلك هو المأوى الذي يرمي بالشرر الملتهم وتحلق فوقه الغربان والعقبان وغيرها من الكواسر المجنحة التي تهبط مبتورة مهيضة فوق الجبال.
سار الملك خائفا مزبئر الشعر بين تلك الجثث والرائحة المنتنة، ورأى أمامه نهرا من الأمواج الملتهبة وغابة من النصال ذات الأغصان الحادة وصخورا من الحديد وخوابي مملوءة لبنا فائرا وزيتا حارا وعوسجا
1
قاتلا أعدت للمجرمين.
Bilinmeyen sayfa