آداب الهند ولغاتها
(1) قيمة آثار الهند الأدبية القديمة
كتبت الهند، وانتهى إلينا كثير مما كتبت.
وظن، حينما أسفر بحث بعض الأوربيين في السنسكرت عن كشف النقاب عن آداب الهند المجهولة، أن عالما من العجائب والطرائف سيخرج من دياجير الماضي الحافل بالأسرار، وظن، على الخصوص، أنه اكتشف مصدر جميع الحضارات وجميع الأديان وأننا، برجوعنا إلى عنعنات عرقنا الحقيقية، نهتدي إلى العصر الذهبي الضائع وإلى سر مصيرنا.
ولسرعان ما فترت تلك الحماسة، فقد عرف أن حياة شعوب الهند القديمة وأفكارها مهما كانت انتهت هذه الشعوب، مثلما انتهينا، إلى معضلات كبيرة من غير أن تحل واحدة منها، فما كانت الكلمة الأخيرة التي تطمئن إليها نفوسنا لتأتينا من ضفاف الغنج، وما كان حب الاستطلاع الشديد الذي أثارته المباحث الأولى في كتب الهندوس إلا لينقلب بسرعة إلى عدم اكتراث.
ولسنا بالذين ندرس كتب الهند في هذا الفصل من حيث قيمتها الفلسفية كدرسنا ما فيها من الوثائق النافعة في البحث التاريخي ووصف الطبائع، بل نبحث فيها من الناحية الأدبية فقط.
بولغ في تقدير كتب الهند الأدبية في البداءة، ولم يتحرج في تفضيلها على غرر آداب اليونان والرومان، والواقع أن ما في آداب الإغريق وروما القديمة من المحاسن التي تقضي بالعجب تغرينا بالإعراض عن الكتب الهندوسية، فما في شعر الإغريق والرومان ونثرهم من الترتيب والوضوح والاعتدال والانسجام والقصد الرائع الكامل يجعل الأوربي صعب المراس، فما كان مذهبنا الارتيابي الحديث إلا ليزيد مقتا للمبالغة والإغراب، وما كان ليسهل على قراء هذه هي حالهم أن يعجبوا بما وصل إليهم من آداب الهندوس الضخمة المشوشة المملة المملوءة بالخوارق.
بيد أنك تبصر، بين هذه المبالغات وهذا الغلو في الخيالات وتجسيم الموضوعات الحقيقية البسيطة والشعور الصادق الخالص وتموج الأهواء والعواطف، تصويرا للروح والطبيعة بما هو طريف لامع أحيانا، وتراني أشبه، طائعا، الآداب الهندوسية بنهر يشتمل ترابه على شذور من التبر، فيجب على من يرعب في استخراج بعض هذه الشذور أن يجمع إليه عدة أمتار مكعبة من هذا الطين.
شكل 1-1: تانجور. منظر الزون الهرمي ومداخله «القرن الحادي عشر من الميلاد» أخذت هذه الصورة من خلف الزون «يبلغ ارتفاعه 61 مترا.»
ولا نعرض على القارئ في المختارات التي ننشرها في هذا الكتاب سوى شذور من الذهب، فإذا ما استنبط منها أن جميع ما أنتجته قرائح الهند هو من نوعها غافلا عن أن هذه النتائج تحتوي على أكداس عظيمة ثقيلة مملة فإنه يكون مخدوعا خدع من يخيل إليه أن تراب ذلك النهر من شذور التبر فقط.
Bilinmeyen sayfa