وفي شريعة منو يتوقف مصير الإنسان على جميع أعماله في الحياة الدنيا فيدخل في وزنها الهائل كبير هذه الأعمال وصغيرها، لا كما في النصرانية التي تقول بمحاسبة الإنسان في اليوم الآخر على العمل الفلاني أو العمل الفلاني أو الوضع الأخير فقط مع النظر إلى التوبة في الساعة الأخيرة، جاء في شريعة منو:
الإنسان مجزي بأي عمل يأتيه بقلبه أو لسانه أو جسمه إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وعلى ما يصنعه الإنسان يتوقف حاله فيكون طيبا أو متوسطا أو سيئا.
وتلك العقيدة هي مصدر خضوع الهندوسي لنظام مرهوب لا يترك له خيار القيام بأي عمل مهما صغر ولا قضاء أي احتياج جثماني مهما ضؤل.
فأقل إهمال منه يذهب بثمرته التي تعهد أمرها بمشقة، فلا يأمل تلافي ما فرط منه من اللمم
13
إلا بإقامة شعائر التطهير، وما قيمة أحكام القضاة في مخالفة الإنسان للشريعة؟ وما قيمة العطل من وجود شاهد على تعدي أمرها؟ فشعور المذنب الورع يصور له نتائج ما صنع، فيرضى طائعا بما تفرضه الشريعة عليه من العقوبات الشديدة.
ومن يطالع ما في شرائع منو من الأوامر الشديدة يتبين ثقل النير الذي كان مفروضا على الهندوس وأثره في أدق شئون حياتهم في العصر الذي نحاول بعث تاريخه، ويتمثل الفرق بينه وبين أدب آريي العصر الويدي السمح اليسير، فالحق أن الزمن تغير وأضحى شعب الأجيال القديمة الحر السعيد قطيعا من الرعايا الخوف الذين يتجلى فيهم الذعر والألم إذا ما ساروا على الدوام.
ذلك أمر المجتمع البرهمي القديم، ونجد مبادئه الأساسية في المجتمع البرهمي الجديد، حتى في الهند الحديثة، بيد أنك ترى شدة تلك المبادئ قد خفت بفعل البدهية السمحاء.
وبلغت البرهمية القديمة من شدة التوتر حول النفوس ما كانت تتقصف به تحت الضغط فتنتظر المنقذ، وكانت وطأة النير تثقل على الناس في أدق أعمالهم فتنسحق قلوبهم فلا يرون بخيالهم سوى رجس الحياة وقبحها، فيبدو لهم كل شيء سيئا إلا الفناء، وما وصف «دانتي» به العذاب في رواية «جهنم» هو وحده يمثل لنا رأي قدماء البراهمة في ضروب العذاب الذي يبدأ في الدنيا فيتدرج شدة في أحقاب لا يتصورها خيال إلى أن يغدو الإنسان جديرا بالفناء في الكون، وإن شئت فقل في العدم، ومن طبيعة الأمور أن ينبثق فجر الأمل في تلك الأمم المثقلة من خلال الضغط المشتد عليها، ومثل هذا ما حدث بعد زمن قليل في العالم الروماني حين ظهر المسيح وإن اختلفت الأسباب.
ظهر في الهند، أيضا، المنقذ الذي جاء بما كانت النفوس الظمئة تنتظره من القول العذب، فكان لهذا القول صدى بعيد المدى في أرجاء آسيا، فوجدت به ملايين البشر - الذين حنا كواهلهم نير الطوائف وأثخنتهم قيود الدين الثقيلة وأولهتهم أنواع العذاب الأبدي المنتظر الذي لا مفر منه - ريحا طيبة مملوءة حنانا ورحمة وإحسانا.
Bilinmeyen sayfa