وظن في بدء الأمر أن تلك المجموعة أقدم من ذلك بزمن طويل، فرجعها جونس إلى القرن الثامن قبل الميلاد ورجعها آخرون إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ثم أبدي حديثا رأي أقوم من ذلك كما يظهر، فلم يرجعها إلى ما قبل القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد.
إن مانوا دهرما شاسترا أوثق مصدر لدينا عن العصر البرهمي، وهو يعدل الرغ ويدا عن العصر الويدي، وما وصفناه في أمر الويدا نصنع مثله في أمر شرائع منو فنستنبط من هذه الشرائع الأساسية جميع الشواهد التي نتمثل بها، بالضبط، ما تشير إليه من الأزمنة.
وليست الكتب المقدسة وحدها هي التي نستجلي بها العصر البرهمي مع ذلك، فقد أخذ التاريخ، أيضا، يلقي بصيصا، ولو ضعيفا، على الهند القديمة بعد غزوة الإسكندر.
أجل، إن غزوة الإسكندر لم تسفر عن كبير معرفة للغربيين، غير أنهم أبصروا بها القطر الحافل بالأسرار الواقع فيما وراء نهر السند فوجهوا إليه بعدئذ أفكارهم وأنظارهم في الغالب، فعن لنيكاتور السلوقي، الذي هو أحد الأمراء المقتسمين لدولة الإسكندر المقدوني، أن يتم ما بدأ به هذا الفاتح راجيا أن يكون أوفر حظا منه فخاب أمله، فقد كان لدى ملوك الهند الشمالية من الحرس والجيوش الكثيرة ما لم يجرؤ معه على مقاتلتها مخاطرا.
بيد أن ذلك الأمير فتح بقطريان فأصبح جارا لأولئك الملوك فعرض عليهم أن يتفاوض هو وإياهم، فحالفه جندرا غوبتا «المعروف لدى الإغريق بساندروكوتوس» الذي كان من أعظمهم سلطانا، فتزوج هذا الملك الهندوسي بابنته مضيفا إياها إلى نسائه، مما عد خارقا للعادة عند الإغريق والهندوس على السواء، فذهبت هذه الأميرة الفتاة إلى عاصمة زوجها باتلي بوترا الواقعة على ضفاف الغنج وغير البعيدة من رأس الدلتا لتلحق به، فرافقها إليه السفير ميغاستين، فقضى هذا السفير أوقات فراغه في وصف ما كان غريبا عليه من طبائع الشعوب التي أصبح بين أظهرها.
ومن المؤسف أن رحلة ميغاستين الكاملة المفصلة، كما يظهر، لم تصل إلينا، واليوم تعد مزورة المجموعة التي عزاها أنيوس الفيتربي في القرون الوسطى إلى ذلك السفير السلوقي على أنها صحيحة، غير أن مؤرخي الإغريق واللاتين وجغرافييهم المعاصرين لهذا السفير والذين ظهروا بعده قد استشهدوا برحلته في الغالب فاقتطفو منها فصولا كاملة، فتجد أسترابون، مثلا، يستند إليها كثيرا في الجزء الذي درس فيه جغرافية الهند، فنشأ عن ذلك أن انتهت إلينا منها قطع واسعة بعض الاتساع، تعد، بالإضافة إلى شرائع منو، الأساس الذي نعتمد عليه في بعث الهند البرهمية.
حقا أن رحلة ميغاستين وشرائع منو هي الوثائق الوحيدة التي تستنبط منها معارف، على شيء من الصحة، عن العصر البرهمي، وأما القصائد الحماسية الكبرى، كالراماينا والمهابهارتا، فمحشوة بالأساطير مهذبة عدة مرات لا ريب، فلا تصلح لمعرفة الزمن الذي وضعت فيه ولا لتعيين ما أشارت إليه من الحوادث بالضبط، وإن كانت آثارا أدبية خالصة يرجع إليها أحيانا بتحفظ كبير. (2) تقسيم المجتمع الهندوسي إلى طوائف
حقوق كل واحدة من هذه الطوائف وواجباتها
رأينا في أواخر العصر الويدي تقسيم الوظائف وتطورها لتكون إرثية، وذكرنا أن ذلك يوجب نظام الطوائف وإن كان لا يؤدي وحده إلى ظهور هذا النظام.
كانت ضرورة المحافظة على نقاوة العرق واحترام الأنساب وبقاء الأسر القديمة مما يشغل بال آريي العصر الويدي، فصار التفكير في ذلك هم مشترعي الآريين عندما دان للآريين الفاتحين شمال الهند فتفرق هؤلاء القليلو العدد بين سكانه المغلوبين الكثيرين.
Bilinmeyen sayfa