ومن العبث أن نبحث في: هل كانت هذه النتائج التي بلغها محمد مما توخاه قبلا؟ ونحن إذ لم نؤت سوى علم قليل عن علل ارتباط الحوادث التي نذعن لحكمها طوعا أو كرها ترانا مضطرين إلى مجاراة المؤرخين في رأيهم أن ما بلغه أعاظم الرجال، ومنهم محمد، من النتائج هو مما كانوا يسعون إلى تحقيقه، ورأي مثل هذا، وإن كان لا يسلم به على علاته، لا نخوض في نقضه؛ لما في ذلك من الخروج عن موضوع هذا الكتاب.
ومهما يكن من أمر فإن مما لا ريب فيه أن محمدا أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية، ولذلك كان فضل محمد على العرب عظيما، ويتجلى هذا الفضل العظيم في جواب رسل عمر بن الخطاب إلى كسرى حين سألهم عن أعمال النبي، قال هؤلاء الرسل:
فأما ما ذكرت من سوء حالنا فما كان أحد أسوأ حالا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، فكنا نرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فكانت ظهر الأرض، ولم نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، كان ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ويغير بعضنا على بعض، وكان أحدنا يدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرنا لك، فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته أعظم بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، فقذف الله في قلوبنا التصديق له، واتباعه، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا: «إن ربكم يقول: إنى أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق.
وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ، وأخذ بعض علماء الغرب ينصفون محمدا مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله. قال العلامة بارتلمي سنت هيلر: «كان محمد أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تدينا وأعظمهم رأفة، ونال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم، ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته.»
فما سر هذا الدين الذي خضع لحكمه ملايين من الناس؟ وما الحقائق التي أرشد العالم إليها؟ ذلك ما نبحث فيه عما قليل.
هوامش
الفصل الثاني
القرآن
(1) خلاصة القرآن
القرآن هو كتاب المسلمين المقدس، ودستورهم الديني والمدني والسياسي الناظم لسيرهم، وهذا الكتاب المقدس قليل الارتباط مع أنه أنزل وحيا من الله على محمد، وأسلوب هذا الكتاب، وإن كان جديرا بالذكر أحيانا، خال من الترتيب فاقد السياق كثيرا، ويسهل تفسير هذا عند النظر إلى كيفية تأليفه، فهو قد كتب تبعا لمقتضيات الزمن بالحقيقة، فإذا ما اعترضت محمدا معضلة أتاه جبريل بوحي جديد حلا لها، ودون ذلك في القرآن.
Bilinmeyen sayfa