وقد استدل لوبون على أن العرب خرجوا من جزيرتهم أصحاب ذكاء مصقول من عجز البرابرة الذين قضوا على الدولة الرومانية، ومن عجز الترك والمغول الذين قضوا على الدولة العربية عن إبداع أية حضارة لعقولهم الغليظة، مع توافر عوامل البيئة، فقال:
يبدو لنا الفرق بين الأمم التي تكون على جانب كبير من الذكاء، كالأمة العربية، والأمم المنحطة، كبرابرة القرون الوسطى الذين قضوا على دولة الرومان، وأجلاف الترك والمغول الذين غمر طوفانهم دولة محمد.
فلقد أبدع العرب من فورهم، بعد أن استعانوا بحضارة اليونان وحضارة الرومان وحضارة الفرس، حضارة جديدة أفضل من الحضارات التي جاءت قبلها، وكانت عقول البرابرة عاجزة عن إدراك كنه الحضارة التي قهروا أهلها، وكان انتفاعهم بها ممسوخا في بدء الأمر، ولم يسيروا بها نحو الرقي إلا بعد أن صقلت أدمغتهم فصارت قادرة على إدراك معانيها بعد زمن طويل.
والواقع أن تقدم أولئك البرابرة الذين هدموا الدولة الرومانية لم يحدث إلا بتوالي الأجيال، وأنهم لبطء تقدمهم لم يستطيعوا إقامة حضارة جديدة على أنقاض حضارة القرون الأولى إلا بعد جهود استمرت قرونا كثيرة.
أما الترك والمغول فلم يكن لهم، على رأي لوبون، شأن في ميدان الحضارة، ولم يقدروا على الانتفاع بحضارة العرب انتفاعا كافيا، فضلا عن عدم استطاعتهم إبداع أي شيء بتوالي القرون.
حقا إن العرب أخذوا ينظمون شؤونهم بعد إنتهاء دور الفتوح، فحولوا جهودهم إلى ميدان الحضارة، وأبدعوا حضارة أينعت فيها الآداب والعلوم والفنون، وبلغت الذروة.
وهنا نذكر أن العلامة لوبون، الذي رأى أن العرب أثبتوا منذ ساعة اتصالهم بالعالم الخارجي أنهم من ذوي العقول الناضجة المستعدة للتمدن والتمدين، لم يسعه، حين تكلم عن تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، سوى ردها عنهم بحرارة في الكلمات الآتية، وهي:
وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنا طويلا؟ وهذه القصة دحضت في زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نثبت، بما لدينا من الأدلة الواضحة، أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح العربي بعناية كالتي هدموا بها التماثيل، ولم يبق منها ما يحرق.
7
رأى العرب ذوو الذكاء اللامع والخيال الخصب والحيوية أنفسهم، في دور الفتح، في بيئات متباينة واقعة بين بلاد الهند والمحيط الأطلنطي، وكان لهذه البيئات تأثير متنوع فيهم مع تشابه صفاتهم الخاصة بعرقهم، فكان ما ترى من تفاوت في آثارهم الماثلة القائمة في تلك الأقطار، ومن وجود أوجه شبه بينها على العموم.
Bilinmeyen sayfa