1 ... إلخ، ولا نزال نجد شبها بين التركمان والمغول، ومثل هذا الشبه كان موجودا في غابر القرون بين الترك الخلص والمغول لا ريب، فقد ذكر رشيد الدين في تاريخه عن المغول، الذي ألفه في القرن الثالث عشر، أن المغول والترك متشابهون تشابها يستوقف النظر، وأن اسم هذين الجيلين كان واحدا في غابر الأزمان.
ومن المستحيل أن ترى اليوم قرابة بين المغول وترك أوربة، ويرجع ذلك، لا ريب، إلى تزوجهما في قرون كثيرة بنساء من العرق القفقاسي كالكرجيات والشركسيات، والفارسيات على الخصوص.
واستولى المغول على بغداد سنة (656ه / 1258م) وخربوها تماما، وخنقوا آخر العباسيين، المستعصم بالله، بأمر رئيس الغالبين «هولاكو» ونهبوا ما في بغداد من الأموال، وحرقوا كتبها التي جمعها قبل هذه الكارثة الهائلة محبو العلم وألقوها إلى نهر دجلة، فتألف منها جسر كان يمكن الناس أن يمروا عليه رجالا وركبانا، وأصبح ماء دجلة أسود من مدادها، كما روى قطب الدين الحنفي.
شكل 2-4: منظر في بغداد (من تصوير فلاندان).
ولكن أولئك الوحوش الضارية الذين أضرموا النار في المباني، وأحروقوا الكتب ، وخربوا كل شيء نالته أيديهم خضعوا لسلطان حصارة المغلوبين بدورهم، حتى إن «هولاكو» الذي خرب بغداد وأمر بجر جثة آخر العباسيين تحت أسوارها بهرته عجائب حضارة العرب الجديدة في نظره، فلم يلبث أن صار من حماتها، وفي المدرسة العربية تمدن المغول، واعتنقوا دين العرب وحضارتهم، وشملوا متفنني العرب وعلماءهم برعايتهم، وأقاموا في بلاد الهند دولة قوية عربية من فورهم كما يمكن أن يقال، وذلك لأنهم أحلوا حضارة العرب محل الحضارة القديمة، ولأن سلطان حضارة العرب لا يزال مسيطرا هناك حتى اليوم.
شكل 2-5: منظر في بغداد (من تصوير فلاندان).
أجل، قامت بغداد من تحت الأنقاض، ولكن الترك استولوا عليها بعد ثلاثة قرون فأصيبت بانحطاط تام، فغابت عنها المكتبات ورجال الفن والعلماء إلى الأبد.
واليوم لا تزال بغداد مركزا مهما بفضل موقعها التجاري، ولكنها مدينة عصرية لا تجد فيها غير الأنقاض من مباني الخلفاء، وما يصادف فيها اليوم من الأبنية، المتداعية على العموم، حديث نسبيا، وهو فارسي أكثر منه عربيا، قال مسيو فلاندان: «تتوارى تحت طبقة كثيفة من الغبار أسس المباني، ولا تكاد تجد فيها أثر هارون الرشيد وزبيدة، وهنا وهناك يكتشف في بعض زوايا الأسواق وعلى الشاطئ وبين أنقاض أضاعت اسمها وحوه جدران يقرأ عليها بصعوبة قطع من خطوط كوفية، ومئذنة يشهد خرابها على قدمها، وبقايا رتاج
2
ذي ميناء وذي فسيفساء لامعة تنفصل على أساس البناء المحطم. «ولم يبال الترك بضياع هذه الأدلة على حضارة منافسة لحضارة بزنطة، ونحن إذا ما استثنينا تلك البقايا النادرة المجردة من الفائدة معا كان من العبث إزالة الغبار المتراكم ببغداد، فالحق أن هذه المدينة العظيمة لم يبق فيها ما يذكر بخلفائها الأعزاء كما يمكن أن يقال.»
Bilinmeyen sayfa