ونظر بعضهم إلى أعورين يذهبان في الطريق، ويد أحدهما في يد الآخر، فقال: إني أرى أعورين، وأعمى بينهما، فنظر أصحابه فقالوا: لا نرى إلا أعورين، وليس بينهما أعمى، فقال: ضموا عور هذا إلى عور هذا؛ فإنه ينشأ بينهما رجل أعمى، وكان أحدهما أعور العين اليمنى، والآخر أعور اليسرى، فاستظرف أصحابه ذلك.
وقال الجاحظ: جلست امرأة من العرب إلى فتيان يشربون فسقوها قدحًا، فطابت نفسها، ثم سقوها آخر، فاحمر وجهها ثم سقوها ثالثًا، فقالت: خبروني عن نسائكم بالعراق، هل يشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم، قالت: زنين ورب الكعبة، والله، ما يدري أحدكم عن أبوه.
وسقي أعرابي أقداحًا من شراب لم يكن يعرفه، فحركته الأريحية، فسألوه عنها، فقال: والله، ما أدري ما هي غير أني أراكم تجبون إلي، وأراني أسربكم، وما وهب لي أحد منكم شيئًا.
ومر أعرابي بقوم يشربون، فدعوه فنزل، وعقل ناقته، فلم أخذ منهم الشراب قام إلى الناقة، فنحرها، وشوى لهم من كبدها وسنامها.
وقيل لأشعب: ما تقول في ثروة مغمورة بالسمن، مسقفة باللحم؟ قال: وأضرب كم؟ قيل: تأكلها من غير ضرب، قال: هذا ما لا يكون، ولكن أضرب، وأتقدم على بصيرة.
وقال المبرد: أضاف رجل رجلًا، فأطال المقام عنده، حتى كرهه، فقال الر جل لامرأته: كيف لنا أن نعلم مقدار مضافه؟ فقالت: إلق بيننا شرًا، حتى نتحاكم إليه، ففعل، فقالت المرأة للضيف: بالذي يبارك لك في شفرك غدًا أينا أظلم؟ فقال: والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهرًا أو أزيد، ما أعلم.
ونزل بصري على مدني، وكان صديقًا له، فأطال المقام عنده، فقال المدني لامرأته: إذا كان غدًا، فإني أقول لضيفنا: كم ذراعًا تقفز؟ ثم أقفز فإذا قفز هو فأغلق الباب، فلما كان من الغد، قال له المدني: كيف قفزك يا أبا فلان؟ قال: جيد، فعرض عليه أن يقفز معه فأجابه، فوثب المدني من داره إلى خارج ذراعًا، وقال للضيف: ثب أنت، فوثب الضيف إلى داخل الدار ذراعين، فقال: وثبت أنا إلى خارج الدار ذراعًا، ووثبت أنت إلى داخلها ذراعين، فقال الضيف: ذراعان في الدار خير من أذرع برا.
وسئل بنان الطفيلي: هل تحفظ من كتاب الله شيئًا؟ قال: نعم، آية، قيل: وما هي؟ قال: (فلما جاوزوا قال لفته ائتنا غداءنا) .
وكان يقول: التمكن على المائدة خير من ثلاثة ألوان.
وقال طفيل العرائس: ليس في الأرض أكرم من ثلاثة أعواد: عصا موسى، ومنبر الخليفة، وخوان الطعام.
ومن وصيته لأصحابه: إذا دخلتم عرسًا، فلا تلتفوا إلى الملاهي، وتخيروا في المجالس، وإن كان العرس كثير الزحام، فليحضر أحدكم، ولا ينظر في عيون الناس؛ ليظن أهل الرجل أنه من أهل المرأة، وأهل المرأة أنه من أهل الرجل، وإن كان البواب فظًا وقاحًا، فليبدأ به، وليأمره ولينهه من غير عنف، ولكن بين النصيحة والإدلال.
وقال بعض الطفيليين: الحلواء مثل الملك، يدخل بيتًا فيه قوم جلوس، ليس فيه متسع لأحد، فإذا نظروا إليه تضايقوا، ووسعوا له.
وحضر طفيلي بالكوفة طعام قوم، فجلس يأكل، فجعل الغلام يحرك الطست والإبريق، فقال: من ذا الذي يرجف بنا قبل انقضاء عملنا؟ وبينما طفيلي يأكل، إذ سمع صوت الطست، فامتنع عن الأكل، فقيل له: لم لا تأكل؟ قال: حتى يسكن هذا الإرجاف الذي أسمع.
وكان الأعمش إذا حضر مجلسه ثقيل أنشد:
فما الفيل تحمله ميتا ... بأثقل من بعض جلاسنا
وذكر له ثقيل، كان يجلس بجانبه، فقال: إني والله، لأبغض شقي الذي يليه من أجله.
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قرأ: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) .
وقال خالي الأستاذ أبو عبد الله محمد بن جزي:
وثقيل نحن منه ... في عذاب وامتحان
قد دعونا إذا أتانا ... بدعاء في الدخان
وقالت عائشة ﵂: نزلت آية في الثقلاء: (فانتشروا ولا مستئنسين لحديث) .
وروي عن الشعبي أنه قال: من فاتته ركعة الفجر، فليلعن الثقلاء.
وكان أبو هريرة ﵁ يقول، إذا استثقل رجلًا: اللهم اغفر له، وأرحنا منه.
وقيل لجالينوس: لما صار الرجل الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأن ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين عليه القلب بالجوارح.
وقال طبيب للحجاج: إياك ومجالسة الثقلاء، فإنا نجد في الطب أن مجالستهم حمى الروح.
1 / 51