وكان الفرزدق يومًا ينشد، فنظر إلى الكميت بن زيد يستمع، وهو غلام يومئذ، فأعجبه ما رأى من إطغائه وتفهمه، فقال: يا غلام كيف ما تسمع؟ قال: حسن، قال: أفيسرك أني أبوك؟ قال: ما أحب بأبي بدلًا، ولكن وددت أنك أمي، قال: يا ابن أخي، استرها علي، فما لقيت مثلها.
وقام بشار بين يدي المهدي ينشده شعرًا، ودخل خال المهدي يزيد بن منصور الحميري، وكانت في غفلة، فقال لبشار: ما صناعتك أيها الشيخ؟ قال: أثقب اللؤلؤ، فضحك المهدي وقال [أتهزأ] بخالي، فقال: يا أمير المؤمنين، وما أصنع به يرى شيخًا أعمى ينشد الخليفة شعرًا، فيسأله عن صناعته؟ وكتب إلى عبد الرحمن بن الحكم بعض مواليه يسأله عملًا رفيعًا لم يكن من شاكلته فوقع في كتابه: من لم يصب وجه مطلبه كان الحرمان أولى به.
وكان أصاب عبد الله بن عمر زج رمح بقدمه في أيام الحج، فدخل عليه الحجاج يعوده، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، لو علمت من أصابك لفعلت وفعلت، فقال له ابن عمر: أنت أصبتني، فقال: غفر الله لك، لم تقول هذا؟ قال: حملت السلاح في يوم لا يحمل فيه السلاح، وفي بلد لا يحمل فيه السلاح.
وحلف رجل بطلاق امرأته أن الحجاج في النار، فسأل الحسن البصري فقال: لا عليك يا ابن أخي، فإنه لم يكن الحجاج في النار، فما يضرك أن تكون مع امرأتك على زنى.
وقال جرير بن منصور: قلت لإبراهيم النخعي: ما تقول في أمر الحجاج؟ قال: ألم تسمع إلى قوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) فأشهد أن الحجاج كان منهم.
وقال عبد الملك للحجاج: ما من أحد إلا وهو يعلم عيب نفسه، فصف لي عيوبك، قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لابد أن تقول، قال: أنا لجوج حقود وحسود، قال عبد الملك: ما في إبليس أشر من هذا.
وقيل للشعبي: إن الناس يزعمون أن الحجاج مؤمن، قال: مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله.
وسئل عمر بن عبد العزيز ﵁ عن الحجاج، فقال: لو جاءت كل أمة بمنافقيها، وجئنا بالحجاج لفضلناهم.
ولما قدم أبو ليلى النابغة الجعدي على النبي ﷺ وأنشده الشعر الذي يقول فيه:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فقال له النبي ﷺ: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله، قال النبي ﷺ: إن شاء الله.
ولقي أبو العتاهية أبا نواس فقال له: أنت الذي لا تقول الشعر حتى تؤتى بالرياحين والأزهار فتوضع بين يديك؟ قال: وكيف ينبغي للشعر أن يقال إلا هكذا، قال: إني لأقوله على الكنيف، قال أبو نواس: ولذلك توجد فيه الرائحة.
ولما قدم رجال الكوفة يشكون لسعد بن أبي وقاص، قال: من يعذرني من أهل الكوفة؟ إن وليتهم التقى ضعفوه، وإن وليتهم القوي فجروه، فقال له المغيرة بن شعبة: يا أمير المؤمنين إن التقي الضعيف له تقاه، وعليك ضعفه، والقوي الفاجر لك قواه وعليه فجوره، قال: صدقت فأنت القوي الفاجر، فاخرج إليهم.
وقال المنصور لبعض قواده: صدق الذي قال: أجع كلبك يتبعك، وسمنه يأكلك، فقال له العباس الطوسي: أما تخشى يا أمير المؤمنين إن أجعته أن يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك؟ وكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينة فكتب إليه عمر: حصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم والسلام.
ولما أتي عمر بن الخطاب ﵁ بتاج كسرى وسواريه قال: إن الذي أدى هذا لأمين، قال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله فإذا رتعت رتعوا.
واطلع مروان بن الحكم على صنيعة له فأنكر شيئًا، فقال لوكيله: ويحك، أظنك تخونني، قال: تظن، ولا تستيقنه، قال: نفعل قال: نعم، والله إني لأخونك، وإنك لتخون أمير المؤمنين، وإن أمير المؤمنين ليخون ربه، فلعن الله شر الثلاثة.
ومر عمر بن الخطاب ﵁ ببنيان بني بآجر وجص، فقال: لمن هذا؟ فقيل: لعاملك على البحرين، فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها، وأرسل إليه فشاطره ماله.
ودخل حزيم الناعم على معاوية بن أبي سفيان، فنظر معاوية إلى ساقيه، فقال: أي ساقين؟ لو أنهما على جارية، فقال حزيم: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين. فقال: واحدة بأخرى، والبادي أظلم.
1 / 10