كلمة لابد منها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الّذي أكرم هذه الأمّة بالخيريّة، فكانت خير أمّة أخرجت للنّاس. والصّلاة والسّلام على سيّد الجنّ والنّاس؛ سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه المطهّرين عن الأدناس. وبعد:
فإنّنا- وبين كتابنا هذا- هناك الكثير من الأمور الّتي قابلتنا، والشّؤون والشّجون الّتي اعترضتنا، والّتي تحتّم علينا لزاما التّوضيح والتّبيان.
فبعد أن فرغنا من تحقيق هذا الكتاب المبارك، الّذي نقدّمه للقارئ الكريم، والّذي أخذ من الوقت والجهد ما الله به عليم، وأصبح في مراحله النّهائية- البروفة الأخيرة- فوجئنا وعند مراجعتنا لبعض الأحداث الواردة فيه، على كتاب آخر مطبوع تحت اسم «حدائق الأنوار» لابن الدّيبع، حقّقه الشّيخ عبد الله الأنصاريّ- على الجميع رحمة الله- فلاحظنا بعض التّشابه في الكتابة بين الكتابين لنفس الحادثة، فظنّنا أنّه من باب سقوط الحافر على الحافر، فأخذنا جزيئة أخرى من الكتاب، فوجدنا أنّ النّصّ هو هو.
عندها كان لا بدّ لنا من زيادة الاهتمام والبحث في الموضوع، فعدنا إلى أوّل الكتاب، فوجدنا أنّ الكتاب هو نفس الكتاب، والفرق فقط هو في اسم المؤلّف، والّذي حقّقه الشّيخ الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- معتمدا نسخة خطيّة من مجموع به عدّة كتب أكثرها لابن الدّيبع، وأنّ هذا الكتاب قد نسب في المخطوط المذكور لابن الدّبيع.
مع العلم بأنّ الشّيخ الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- عندما ترجم لابن الدّبيع واستعرض مؤلّفاته ذكر أنّه لم يجد ممّن ترجم له ذكر كتاب سيرته هذا، وعلّل ذلك بأنّ مترجميه قد أغفلوا هذا الكتاب، أو لم يشتهر أمره. وأضاف قائلا: (ونرجو من الله أن يوفّقنا لجمع معلومات تفيدنا أكثر في توثيق هذه السّيرة وصلتها بابن الدّيبع في المستقبل، ممّا سيجتمع إلينا من آراء القرّاء الكرام الّتي نأمل أن يوافونا بها، وبما سنتوصّل إليه في المستقبل إن شاء الله) .
بل إنّ المخطوط الّذي اعتمده الأنصاريّ- ﵀ قد اعتراه نقص في بعض الأسطر في بداية الكتاب، والمذكور فيها- أي: في المخطوطين المعتمدين لدينا- اسم الكتاب وأنّه مهدى لأحد ملوك الهند. وقد صرّح- ﵀ بذلك- مشيرا إلى مواضع النّقص- قائلا: (فالبياض في الموضع الأوّل أخفى عنّا معرفة الملك الّذي قدّم إليه- المؤلّف- هذا الكتاب ووسمه باسمه
1 / 5
ورسمه برسمه، والبياض في الموضع الثّاني حجب عنّا معرفة اسم الكتاب على وجه التّحقيق والتّأكيد) .
ومع هذا كلّه نرى أنّ الأنصاريّ- ﵀ قد ذكر أثناء وصفه للمخطوط الّذي اعتمده- والّذي هو ضمن مجموع لكتب أخرى لابن الدّيبع- فقال: (عنوان الكتاب معلّق بخطّ الثّلث الجميل. وأرجّح أنّ هذه العنونة مستحدثة، يعود تاريخ كتابتها إلى زمن متأخّر عن زمن نسخها) .
ولعلّ التّشابه في بعض الأمور قد أوصل الأنصاريّ- ﵀ إلى ما وصل إليه.
وكم كنّا نأمل أن يكون الشّيخ الأنصاريّ بين ظهرانينا ليطّلع على ما توصّلنا إليه من معلومات كانت ستثلج صدره وتقرّبها عينه. عليه رحمة الله «١» .
يحسن بنا أن نشير هنا إلى أنّنا قد أطلعنا الأستاذ المحقق عبد الله بن محمّد الحبشي على ما توصّلنا إليه، فتكرّم بكتابة تمهيد لهذا الكتاب المبارك، ساهم في تبيان الحقيقة وإزالة اللّبس. فجزاه الله عنّا خيرا، ووفّقه وسدّد خطاه.
وإنّني وكلّي فرح وسرور بهذا الاكتشاف الّذي أعاد الحقوق لأهلها، وأوضح أمرا في غاية الأهمّيّة حول نسبة هذا الكتاب، أتوجّه إلى الله تعالى أن يكلّل أعمالنا ومساعينا وجميع أمورنا بالتّوفيق «٢» .
ويحسن بي أيضا أن أجري في هذه العجالة مقارنة بين طبعة الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- وبين طبعتنا هذه؛ ذاكرا مميّزاتها:
١- اعتمد الأنصاريّ على مخطوط واحد فقط، فقال: (تعرّض المجموع لعمل الأرضة، فأحدثت فيه ثقوبا اخترقت المجموع من الغلاف إلى الغلاف، وأحدثت فيه ضررا بالغا، وأتت على بعض الكلمات فاقتطعتها) . وقد بذل- ﵀ جهدا كبيرا بإثبات النّقص الّذي أصاب المخطوط، معارضا الكتاب على أصوله الّتي نهل المؤلّف منها، مجتهدا بتصويب التّصحيف وإصلاح الخلل، وبما أنّه اعتمد على نسخة ناقصة وسقيمة فلم تأت تصويباته كاملة في معظم المواطن. بينما اعتمدنا نحن على مخطوطين كاملين ليس بهما أيّ نقص أو خرم، فجاء الكتاب أكثر ضبطا وأقرب إلى الصّواب.
_________
(١) كانت وفاة الشّيخ عبد الله إبراهيم الأنصاريّ نهاية سنة ١٤١٠ هـ رحمه الله تعالى.
(٢) كذلك- وقبل طبع هذا الكتاب المبارك- فإنّنا قد اكتشفنا ما يزيل أيّ شكّ ربّما يطرأ- مع ما توفّر من الأدلّة السّابقة- فقد عثرنا على كتاب «مولد النّبيّ ﷺ» للعلّامة (بحرق) محفوظا في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق؛ من خلال ثلاث نسخ خطيّة، ذوات الأرقام: (٨٥٧١)، (١٠٧٩٩)، (١١٣٧٢)؛ وبعد اطلاعنا عليها وجدنا تطابقا في بداية «المولد» مع فصل (خطبة في التّعريف بمولده الشّريف) من هذا الكتاب، ص ٥٣ وهذا التّطابق كلمة بكلمة وحرف بحرف؛ ممّا يؤكد دون أدنى شكّ أنّ هذا الكتاب للعلّامة (بحرق) - رحمه الله تعالى- ولله الحمد على ما أنعم وألهم. اه الناشر.
1 / 6
٢- أحال- ﵀ نصوص الكتاب على أصولها ما استطاع، وخرّج معظم الأحاديث فيه، وقام بإتمام الأخبار الّتي اختصرها المؤلّف، ذاكرا ذلك في الهامش، ممّا زاد في حجم الكتاب كثيرا- حتّى وصل إلى ثلاث مجلدات. بينما قمنا بإحالة نصوص الكتاب على مصادرها الأصليّة، وتخريج الأحاديث كلّها، وذلك بشكل مفيد ومختصر، فجاءت طبعتنا في مجلد واحد. وقد استفدنا من بعض تعليقاته فأثبتناها بالهامش وميّزناها ب (أنصاريّ) .
٣- ربّما وجدنا تناقضا لم يجمع عليه أهل السّير أثناء معارضة الكتاب على مصادره، فلم يعلّق- ﵀ عليها بشيء. بينما وجدنا من الأمانة العلميّة أن نشير إلى ذلك بالهامش.
٤- مرّ معنا- في أثناء الكتاب- بعض الرّوايات الواهية السّاقطة سندا ومتنا وعقلا ونقلا- كقصّة زواج النّبيّ ﷺ بزينب بنت جحش- والّتي وقعت في بعض كتب القصص والتّفسير والسّير، وقد تذرّع بها أعداء الإسلام في التّهجّم على الإسلام ونبيّه، ونسج المستشرقون والمبشّرون من هذه الرّواية وغيرها أثوابا من الكذب والخيال معتمدين بذلك على هذه الرّوايات المختلقة المدسوسة- عند أئمّة النّقد وعلماء الرواية- فلم يشر الأنصاريّ- ﵀ إلى ذلك مطلقا. فقمنا بالرّد على هؤلاء في الأماكن الّتي تتطلّب منّا ذلك.
٥- أجهد الأنصاريّ- ﵀ نفسه في صنع فهارس للكتاب- بلغت مجلّدا كاملا!! - ممّا زاد في حجمه وثمنه، ونرى أنّ مثل هذه الكتب لا تحتاج إلى هذه الفهارس الكثيرة. وقد أشار إلى ذلك العلامة المحقق (عبد الفتاح أبو غدة) - رحمه الله تعالى- حول عدم جدوى هذه الفهارس مقارنة بالوقت الذي تستهلكه «١» .
_________
(١) قال العلّامة المحقّق (عبد الفتّاح أبو غدّة) - رحمه الله تعالى- في كتابه «الانتقاء فى فضل الأئمّة الثّلاثة الفقهاء»، ص ٣٥٢؛ تحت عنوان (حول صنع الفهارس للكتب المطبوعة وذهاب الوقت الثمين بها): جرت العادة في الأيّام الأخيرة أن يصنع للكتاب الكبير أو النّفيس الخطير فهارس عامّة، حتّى يسهل الاتصال بمعلوماته دون عناء طويل وتردّد كثير بين صفحاته للوصول إلى طلبة الباحث، وفي ذلك
نفع مشهود وضبط تامّ لأطراف المعلومات فتصاب لراغبها بأقصر الطّرق وأقل الوقت. ولكن هذا العمل فيه بذل جهد كبير، وتحمّل مشقّات كثيرة؛ فقد صار نوعا من أنواع التأليف، والإتقان فيه صعب وعر، ويحتاج إلى حبس النّفس عليه مدّة طويلة، ولذا يتردّد طالب العلم بين الإقدام عليه لتقريبه المطلوب بيسر وسهولة، والإحجام عنه لما يأكل من الذّهن والزّمن في معاناة ضبط الأسماء وتمييزها، وتصنيفها وعدم تعدّدها أو تداخلها سهوا وخطأ. وقد تردّدت كثيرا في صنع فهارس هذا الكتاب نظرا لما يذهب من الوقت في تأليف فهارسه وضبطها وإتقانها..، فقد أخذ منّي صنع هذه الفهارس وضبطها، ومقابلتها بالكتاب أكثر من ثلاثة أشهر مع بعض أعمال صغرى خفيفة، فتمنّيت لو كنت صرفت ذلك الزّمن في خدمة كتاب آخر، ولكن ما كلّ الأماني ترتضى! قال الأخ الفاضل الأستاذ المحقّق محمود الطّناحي، في كتابه النّفيس «مدخل إلى تاريخ نشر التراث» في ص ٧٤، بعد أن أشار إلى فضل الأستاذ الشيخ محمّد محيي الدّين عبد الحميد- رحمه الله تعالى- فيما نشره وحقّقه من الكتب، وبعد ذكره ما انتقد على الشّيخ في إغفاله صنع الفهارس لكتبه النّضرة الميسّرة،
1 / 7
فلم نعمد في عملنا هذا إلى صناعة الفهارس، سيّما وأنّنا فصلنا بين مواضيع الكتاب المتتابعة ووضعناها على هامش الكتاب. ولم ندخلها في نصّ المؤلّف- كما يفعل بعض المحقّقين- كيلا يتوهّم القارئ الكريم أنّها من صنع المؤلّف، وأيضا من باب التّأدّب مع الأئمّة السّابقين بالمحافظة على مصنّفاتهم. وبالتالي أصبح تناول الكتاب سهلا وممتعا.
٦- ألحقنا بالكتاب ثبتا ضمّنّاه أهمّ أحداث السّيرة النّبويّة العطرة والتشريعات ونحو ذلك، وأحلناها إلى مكان وجودها في صفحات الكتاب. أمّا الحدث الّذي لم يرد بعده رقم يشير إلى مكان وجوده داخل الكتاب؛ فليعلم أنّ المؤلّف- ﵀ لم يذكره. وإنّما ذكرناه إتماما للفائدة والنّفع. كما ألحقنا به أيضا بعض المصوّرات والمخطّطات الملوّنة الّتي تعين على فهم بعض أحداث السّيرة النّبويّة الشّريفة.
وفي الختام: نسأل الله أن يجعل نيّاتنا ومقاصدنا له وحده سبحانه، خالصة لوجهه الكريم.
وأن يعمّ النّفع بهذا الكتاب الأمّة المحمّديّة في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجزي القائمين على هذا العمل، وكلّ من شارك أو ساعد في إخراج هذا الكتاب خير الجزاء، إنّه سميع مجيب. وصلى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الناشر
_________
وحدّثني الأستاذ فؤاد سيّد؛ عالم المخطوطات بدار الكتب المصريّة رحمه الله تعالى قال: سألت ذات يوم الشّيخ محيي الدّين عبد الحميد: لماذا لا تهتمّ بفهرسة ما تنشر يا مولانا؟! فأجاب: أمن أجل خمسة عشر مستشرقا أضيّع وقتا هو أولى بأن يصرف إلى تحقيق كتاب جديد؟!! وقد صدق الشيخ فإنّها تذهب بالوقت الثّمين، ولا يشعر به القارئ. ا. هـ.
1 / 8
تمهيد
بقلم: عبد الله بن محمّد الحبشى* بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. أمّا بعد:
فأطلعني الأستاذ- الناشر لهذا الكتاب المبارك- على مخطوطتين من هذا الكتاب القيّم.
كلاهما تحمل اسم العلّامة المتبحّر الكبير (محمّد بن عمر بحرق الحضرميّ) المتوفّى سنة ٩٣٠ هـ.
وفي كلتيهما ما لا يدع مجالا للشّكّ في نسبة الكتاب للمذكور.
ويصدق القول في ذلك الإهداء الّذي صدّر المؤلّف مقدّمته به، وهو إلى سلطان الهند العالم (شمس الدّين مظفّر بن محمود شاه)؛ ممّا يعطي دليلا آخر إلى نسبة الكتاب إلى (بحرق)، حيث إنّ المذكور دخل الهند واستوطن بها، وكان ممّا أتحف به هذا الملك كتابنا هذا، لشغف المذكور بالعلم وأهله وتقريب العلماء.
وقد أشار إلى صلة المؤلّف بالمذكور صاحب «النّور السّافر»؛ فقال: (ولمّا عزم إلى الهند، ووفد على السّلطان مظفّر، فقرّبه السّلطان وعظّمه؛ ولمّا خبر علمه وفضله زاد في تعظيمه وتبجيله، وأنزله المنزلة الّتي تليق به) «١» .
ويزيدنا إيضاحا حول هذا الموضوع العلّامة (عبد الحيّ اللكنوي)، صاحب كتاب «نزهة الخواطر»؛ يقول في أثناء كلامه حول دخول العلّامة (بحرق) الهند: (ووفد على سلطانها (مظفّر بن محمود بيكره) - بايقرا-، فعظّمه وقام به، وقدّمه ووسّع عليه، والتفت إليه وأدناه منه، وأخذ عنه؛ فاشتهر بجاهه، وصنّف له «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبويّة الأحمديّة» «٢» .
فدلّنا جميع هذا.. على صحّة نسبة الكتاب إلى علّامتنا (بحرق) . وبدليل أنّ جميع
_________
* باحث يمني، يعمل حاليا في (المجمّع الثقافي) بأبو ظبي.
(١) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص ١٣٦.
(٢) نزهة الخواطر، ج ٤/ ٣٠٦.
1 / 9
المخطوطات الموجودة تحمل اسم العلّامة (بحرق) .
ولكن يشكّك على ذلك التّواتر، ويجعل هناك في نفس الباحث بعض السّؤال أنّ النّسخة المطبوعة من هذا الكتاب تحمل اسم العلّامة المحدّث (أبي محمّد عبد الرّحمن بن عليّ ابن الدّيبع الزّبيديّ) المتوفّى سنة ٩٤٤ هـ. وقد قام بنشرها في سنة ١٤٠٣ هـ العلّامة الفاضل (عبد الله بن إبراهيم الأنصاريّ)، وقد بذل في تحقيقها جهدا يشكر عليه؛ إلّا أنّه لم يرجع في تحقيق المخطوطة إلّا إلى نسخة واحدة، وأوحى كلامه في المقدّمة إلى الشّكّ في نسبة الكتاب إلى (ابن الدّيبع) المذكور فقال: (ولم أجد أحدا ممّن ترجمه قد ذكر كتاب سيرته «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار»، ولعلّ هذا الكتاب قد غفل عن ذكره مترجموه، أو لم يشتهر أمره) .
قلت: والرّجوع في تحقيق كتاب مثل هذا إلى مخطوطة واحدة لا يخلو من بعض المجازفة، إضافة على ذلك سقم النّسخة الّتي رجع إليها علّامتنا (الأنصاريّ) ﵀ وكما أشار إلى ذلك هو بنفسه.
ولكن تبقى أمامنا الحقيقة الماثلة، وهي أنّ جميع المخطوطات المتوفّرة لدينا الآن تجمع على نسبة الكتاب إلى العلّامة (بحرق)، باستثناء تلك النّسخة السّقيمة الّتي رجع إليها (الأنصاريّ)، والّتي تشير إلى نسبة تأليفها إلى (ابن الدّيبع) .
ولا يخلو الأمر من أنّ هناك يدا عابثة أو تعمّدا أدخل تلك النّسبة إلى المخطوطة المذكورة، حيث إنّ هناك أسطر بقيت فارغة، ترك فيها ناسخها عنوان الكتاب واسم المهدى إليه الكتاب المذكور؛ وهو سلطان الهند، الّذي اتّصل به العلّامة (بحرق) واجتمع به، ولا يعرف لابن الدّيبع رحلة إلى الهند، بل بقي أثر من اسم المهدى إليه في الأبيات الّتي أوردها المؤلّف في مدح السّلطان المذكور، وهي قوله:
فأحمد أسمى من بنى اسما وكنية ... وفعلا ووصفا ملكه من أساسه
شهاب فخذ من علمه واقتباسه ... سنا النّور واخش النّار في وقت باسه
إلى قوله:
فلا زال محمودا حميدا مظفّرا ... شهابا على أعدائه كأناسه
وأيضا بقيّة من اسم الكتاب، حيث جاء في طبعة (الأنصاريّ) قوله: (فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه ... فسمّيته تبصرة- (في مطبوعة الأنصاريّ بصيرة.. خطأ) - الحضرة، ثمّ تأتي نقط في المطبوعة هي موضع السّقط المتعمّد من قبل النّاسخ أو غيره.
1 / 10
وإذا كان طرأ التشكيك- عند من يرى هذا- في- نسبة الكتاب إلى (بحرق)، فإنّ العنوان كذلك يختلف عمّا أورده العلّامة (العيدروس) في «النّور السّافر»، حيث ذكر أنّ عنوانه هو كتاب «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبويّة الأحمديّة» «١» .
وأيّد هذا المؤلّف نفسه، حيث نصّ صراحة على هذا العنوان في مقدّمة كتابه فقال:
(فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه، وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم؛ فسمّيته: «تبصرة الحضرة الأحمديّة الشّاهيّة بسيرة الحضرة الأحمديّة النّبويّة» .
ولكنّ المخطوطات الّتي بأيدينا تحمل عنوانا مغايرا للعنوان الّذي ارتضاه المؤلّف، بما فيها تلك المخطوطات الّتي نصّ فيها المؤلّف على عنوانه الأوّل. وهذا يدخل أيضا في باب الاستفهام حول العنوان والمؤلّف، ولكن يقع لبعض المؤلّفين أن يغيّروا في أسماء كتبهم، بل وفي المؤلّفات نفسها؛ إمّا بالزّيادة أو النّقصان، ولا يستبعد أن العلّامة (بحرق) ﵀ لمّا كتب كتابه أوّل مرّة وأهداه إلى السّلطان السّابق ذكره جعله يحمل اسمه، لشرف هذا السّلطان وورعه، حيث عرف عند من ترجم له بالصّلاح وكثرة العبادة، ولكن رأى بعد ذلك تكريما للمقام الشّريف أن يحمل عنوانا آخر يتناسب مع عظيم الموضوع، ومع أذواق طلبة العلم، فأسماه: «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النّبيّ المختار ﷺ» .
وهو الاسم الّذي تحمله طبعتنا هذه وطبعة الشّيخ (الأنصاريّ) ﵀
وهذا ما أردنا التّنبيه عليه، وفوق كلّ ذي علم عليم ...
عبد الله بن محمّد الحبشى
أبو ظبي-
في ٢٥/ ٧/ ١٤١٨ هـ ٢٥/ ١١/ ١٩٩٧ م
_________
(١) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص ١٣٦.
1 / 11
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة التحقيق
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة آل عمران ٣/ ١٠٢] .
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النّساء ٤/ ١] .
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢) [سورة الأحزاب ٣٣/ ٧١- ٧١] .
أمّا بعد:
فإنّ خير ما يتدارسه النّاشئة وطلّاب العلم، ويعنى به الباحثون والمؤلّفون دراسة السّيرة النّبويّة، إذ هي خير وسيلة للتّعلّم والتّهذيب والتّأديب، وفيها ما يرجوه المؤمن من دين ودنيا، وعلم وعمل، وآداب وأخلاق، ورحمة وعدل، وجهاد واستشهاد في سبيل الله، ثمّ نشر العقيدة والشّريعة، والقيم الإنسانيّة النّبيلة.
إنّ السّيرة النّبويّة نور ساطع وهّاج، أفضى إلى ظلمات الجهل والوثنيّة، فانجابت كما ينجاب الغمام، وهدى من الله أرسله إلى الإنسانيّة الضّالّة، فانتشلها من ضياع، وانتاشها من هلاك، وأنقذها ممّا كانت تتخبّط فيه من دياجير الظّلام، وعقابيل الضّلال.
وإذا كانت السّيرة في اللّغة بمعنى: الطّريقة والسّنّة، فإنّها يراد بها التّعرّف على حياة الرّسول ﷺ قرّة العين وريحانة القلب؛ منذ ظهور الإرهاصات الّتي مهّدت لرسالته، وما سبق مولده من ظواهر وأحداث تلقي أضواء رحمانيّة على طريقة الدّعوة المحمّديّة، ثمّ مولده ﷺ،
1 / 13
ونشأته حتّى مبعثه، وما جاء بعد ذلك من دعوة النّاس إلى الدّين القيّم، وما لقي ﷺ في سبيل نشر هذا الدّين من عنت ومعارضة، وما جرى بينه ﵊ وبين من عارضوه من صراع بالبيان والسّنان، وذكر من استجاب له، حتّى علت راية الحقّ، وأضاءت شعلة الإيمان.
تاريخ التّأليف في السّيرة وأشهر كتبها:
إنّ أوّل ما يلفت الانتباه في سير الأنبياء أنّ السّيرة النّبويّة أصحّ سيرة لتاريخ نبيّ مرسل، ولم نعرف على مدى التّاريخ البشريّ كلّه أمّة من أمم الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، سعدت بمثل ما جاء في القرآن الكريم عن الرّسالة والرّسول، ولا حظيت بمثل تلك المجموعة الثّمينة من الأحاديث النّبويّة، ذلك السّجل الخالد، بل كانت هناك حلقات مفقودة في حياة رسلها، لا يمكن البحث عنها، والاهتداء إليها.
أمّا خاتم الرّسل محمّد ﷺ فهو الرّسول الّذي نعرف عنه كلّ دقيق وجليل، ونعرف عنه من دقائق الأخلاق والصّفات، والميول والرّغبات، والقول والعمل، ما لا نعرفه عن غيره من النّبيّين عليهم الصّلاة والسّلام.
ومن رحمة الله تعالى أن كانت هذه الأمّة تملك قوّة الذّاكرة، وسرعة الحفظ والاستظهار، ممّا يسّر لها الجمع والاستحضار، ولا عجب في ذلك فقد بهرهم الوحي بقوّة بيانه، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه ومعناه، فكان الحفظ في الصّدور، والتّدوين في السّطور، وكانت الصّبغة الّتي شاء الله أن تكون.
لقد اهتمّ المسلمون الأوائل اهتماما كبيرا بأحاديث رسول الله ﷺ وسننه الفعليّة والقوليّة، قبل أن تدوّن الأحاديث تدوينا عامّا في آخر القرن الأوّل الهجري- ولم يكن قد دوّن في تاريخ العرب أو السّيرة شيء إلى أن مضت أيّام الخلفاء الرّاشدين- فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمّد بن حزم- وهو من كبار المحدّثين- طالبا منه أن يدوّن أحاديث رسول الله ﷺ في كتاب وزّعه على البلاد الإسلاميّة.
وقد قام المحدّثون بعدها بجمع أحاديث رسول الله ﷺ في كتب لا تلتزم منهجا معيّنا في التّرتيب والتّصنيف، ولم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلّق بسيرة النّبيّ ﷺ وحياته ومغازيه ومناقبه وما إلى ذلك. وقد استمرّ هذا المنهج حتّى بعد انفصال السّيرة عن الأحاديث في التّأليف.
ثمّ صنّفت في السّيرة النّبويّة مصنّفات خاصّة بها. وقد كان في مقدّمة المؤلّفين في السّيرة أربعة:
١- عروة بن الزّبير (المتوفّى سنة ٩٣ هـ)، وكان فقيها، محدّثا، عالما بالحديث، معروفا
1 / 14
بتدوينه العلم والحديث، أسلم قديما، وشهد الغزوات والمشاهد كلّها. ولم يصل كتابه إلينا.
٢- أبان بن عثمان بن عفّان (المتوفّى سنة ١٠٥ هـ)، كان فقيها، محدّثا. وقد كتب ما سمع من أخبار السّيرة في مصنّف لم يصل إلينا.
٣- وهب بن منبّه (المتوفّى سنة ١١٤ هـ)، كان مؤرّخا، وكانت له معرفة بأخبار الأوائل، وأحوال الأمم السّابقة. وقد أكثر من الرّواية عن الإسرائيليات.
٤- شرحبيل بن سعد الخطمي المدني (المتوفّى سنة ١٢٣ هـ)، كان عالما بالمغازي والبدريّين.
ويعدّ هؤلاء الأربعة الطّبقة الأولى الّتي صنّفت في السّيرة النّبويّة.
ثمّ جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى، عاشت في العصر الأموي، اشتهر منها في كتابة السّيرة النّبويّة ثلاثة:
١- عاصم بن عمر بن قتادة (المتوفّى سنة ١٢٠ هـ)، وهو راوية للعلم، عالم بالمغازي والسّيرة، وقد أمره الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يجلس في مسجد دمشق فيحدّث النّاس بالمغازي ومناقب الصّحابة، ففعل. وقد اعتمد ابن إسحاق والواقدي على مصنّفاته، وجعلوها من مراجعهم المهمّة.
٢- محمّد بن شهاب الزّهريّ (المتوفّى سنة ١٢٤ هـ)، عالم محدّث، وهو أوّل من دوّن الحديث، وقيل: إنّ سيرته أوّل سيرة صنّفت في الإسلام، وهي من أوثق السّير وأفضلها، وقد اعتمد ابن إسحاق عليها في سيرته.
٣- عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاريّ (المتوفّى سنة ١٢٥ هـ)، وقد كان عالما، محدّثا، ثبتا، وكان من أهل العلم والبصر، وقد نقلت عنه روايات كثيرة، اعتمدها ابن إسحاق وابن سعد والطّبريّ في كتبهم.
ثمّ جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى، عاشت في العصر العبّاسيّ الأوّل، وكان من أشهرهم أربعة:
١- موسى بن عقبة (المتوفّى سنة ١٤١ هـ)، كان عالما بالسّيرة النّبويّة، وقد صنّف كتابا في المغازي، اعتمد عليه ابن سعد والطّبريّ في كتبهم. ولم يصل كتابه إلينا.
٢- محمّد بن إسحاق المطلبي (المتوفّى سنة ١٥١ هـ)، وهو من أصل فارسيّ، صنّف كتابه «المغازي» بناء على طلب الخليفة المنصور، جمع فيه تاريخ الخليقة من آدم ﵇ إلى
1 / 15
زمنه، وقد أطال فيه فلم يرضه المنصور وأمره باختصاره فاختصره. وهو أوّل كتاب وصل إلينا.
٣- معمر بن راشد (المتوفّى سنة ١٥٠ هـ)، فقيه، حافظ، متقن. صنّف كتابا في المغازي لم يصل إلينا، ما خلا نقولا أوردها الواقديّ وابن سعد في كتبهم.
٤- محمّد بن عمر الواقديّ (المتوفّى سنة ٢٠٧ هـ)، وقد كان عالما بالمغازي واختلاف النّاس وأحاديثهم. صنّف كتاب «المغازي»، ونهج فيه منهجا تاريخيا علميّا جغرافيا. وقد كان هذا الكتاب الأساس الّذي بنى عليه المؤلّفون في السّيرة كتبهم.
ثمّ جاء بعدهم طبقة أخرى، من أشهرهم:
١- أبو محمّد عبد الملك بن هشام (المتوفّى سنة ٢١٨ هـ)، كان مؤرّخا، عالما بالسّير والأنساب واللّغة وأخبار العرب، روى لنا سيرة ابن إسحاق بعد أن هذّبها، وحذف منها الكثير ممّا ليس فيه صلة بسيرته ﷺ، فجاء على نحو مخالف تماما لما وضعه ابن إسحاق، لكن دون أن يغيّر منه كلمة واحدة. ولهذا فقد نسي ابن إسحاق، وذكر ابن هشام. ولم يعد الكتاب مقرونا إلّا باسم ابن هشام.
ثمّ جاء بعد هؤلاء الأعلام علماء كثيرون صنّفوا في السّيرة، منهم من أطال، ومنهم من اقتصر، ومنهم من اعتنى بذكر الأسانيد، ومنهم من حذفها.
ومن أشهر هذه المصنّفات:
١- عيون الأثر في فنون المغازي والشّمائل والسّير، لابن سيّد النّاس الأندلسيّ، (المتوفّى سنة ٧٣٤ هـ) .
٢- جوامع السّيرة، لابن حزم الأندلسي، (المتوفّى سنة ٤٥٦ هـ) .
٣- المواهب اللّدنيّة. للقسطلّانيّ، (المتوفّى سنة ٩٢٣ هـ) .
٤- سبل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد، للصالحي، (المتوفى سنة ٩٤٢ هـ) .
٥- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، المعروف بالسيرة الحلبية، للحلبي، (المتوفّى سنة ١٠٤٤ هـ) .
ومن بين هؤلاء الأئمة الأعلام- صاحب هذا الكتاب الّذي بين أيدينا- محمّد بن عمر بن مبارك (بحرق) الحضرمي. حيث نهج في تأليف هذا الكتاب نهج من سبقه من علماء السّير، فصنّفه في وقت كثر فيه التّأليف في السّيرة. وكانت مؤلّفات المحدّثين في السّيرة تحظى بالقبول والتّقدير، لأنّها من أفضل الكتب صحّة، وأروعها تأليفا، وأصدقها لهجة، على حين كانت
1 / 16
مؤلّفات المؤرّخين وأصحاب المغازي والملاحم لا تصل إلى تلك الرّفعة الّتي حظيت بها كتب المحدّثين؛ ذلك لأنّ المحدّثين كانوا لا ينقلون في كتبهم إلّا عن الثّقات، ويطرحون ما لم يصحّ عندهم من الرّوايات، ويذكرون الأحاديث الصّحيحة، ويبتعدون عن تدوين الأحاديث الضّعيفة، ويهجرون الرّوايات الموضوعة والمنحولة.
لقد كان المؤلّف- رحمه الله تعالى- أحد أولئك المحدّثين، حيث نهج في كتابه هذا منهجهم، فانتقى الأحاديث الصّحيحة، والأخبار الثّابتة، واختار موضوعاته من أمّهات كتب السّيرة النّبويّة الّتي قرأها وتعلّمها. ولا عجب في ذلك، فهو ممّن عرف بطول اليد في علم الحديث وفنونه.
فجاء الكتاب جليل النّفع، عظيم الفائدة، عزير المعلومات، واضح الأسلوب، جزل العبارة.
نسخ الكتاب:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين خطّيتين:
الأولى: نسخة (دار الكتب المصريّة)، برقم (١٢٦١)؛ وهي من كتب المرحوم (جعفر أفندي بناسكجي)، الّذي آل الكتاب إليه من مكتبة المرحوم المبرور (موسى بن السيد جعفر مبرك) طاب ثراه، تقع في ستّ وثلاثين ومئة ورقة، في كلّ ورقة ثلاثة وعشرون سطرا، خطّها نسخيّ متقدّم، ليس عليها ما يشير إلى اسم ناسخها،
الثّانية: نسخة مكتبة الأحقاف بتريم. عدد أوراقها سبع ومئة ورقة، ومتوسّط عدد أسطرها خمسة وعشرون سطرا، خطّها بين الثّلث والنّسخ المعتاد. ذات الرّقم (٣٠١٠) . لم أجد ما يشير إلى اسم ناسخها، كان الفراغ من نسخها يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومئتين وألف للهجرة.
منهج التّحقيق:
١- بعد نسخ المخطوط المعتمد أصلا، قابلته على النّسخة الآخرى، فما كان بين النّسختين أدنى خلاف؛ أثبتّ ما في المخطوط المعتمد أصلا؛ إلا أن يكون خطأ ظاهرا أو زيادات لم ترد في الأصل، فأثبتّ ما في النّسخة الآخرى.
٢- أضفت ما كان مناسبا من العبارة ليستقيم المعنى، وميزته ب []، وهذه الزّيادة اعتمدتّها لدى رجوعي إلى الأصول الّتي نهل المؤلّف منها.
٣- ضبطت النّصّ ضبطا أسأل الله العليّ العظيم أن يكون صحيحا، قريبا إلى الصّواب، كما أراده المؤلّف- ﵀.
1 / 17
٤- أثبتّ أرقام صفحات المخطوط المعتمد عند بداية كلّ صفحة، ورمزت لها ب [ق ...] .
٥- خرّجت الآيات الكريمة بذكر اسم السّورة، وترتيبها في القرآن، ورقم الآية.
٦- عزوت الأحاديث النّبوية الشّريفة إلى مظانّها من كتب السّنّة المطهّرة.
٧- أحلت الموضوعات الرّئيسة إلى مصادرها.
٨- وضّحت ما كان مغلقا ومبهما بالشّرح والتّبيان.
٩- عنونت فقر الكتاب بعنوانات مناسبة، ووضعتهما على هامش الكتاب، وذلك للفصل بين موضوعات الكتاب المتتابعة، بطريقة تجعله سهلا متناولا في هذا العصر.
١٠- ربّما أجد تناقضا أو مخالفة لم يجمع عليها علماء السّير أثناء مقابلة المصادر الّتي أخذ عنها المؤلّف مع مصادر السّيرة الآخرى، لذلك وجدت من الواجب والأمانة أن أنبّه على ذلك وأشير إليه في الحاشية، رامزا له ب (قلت) .
١١- تعرّضت أثناء الكتاب للرّدّ على بعض المستشرقين وأبواقهم المقلّدين لهم، وذلك في المواضع الّتي تحتاج لذلك.
يحسن بي أن أشير إلى أنني عدت إلى معظم كتب المغازي والسّير الّتي كتبت قديما وحديثا لمعارضتها بهذا الكتاب.
وإنّي أجد من البرّ والوفاء أن أتوقّف عند أهمّ كتابين كانا لي عونا، فقد استفدت منهما وأفدت.
أوّلهما: السّيرة النّبويّة في ضوء القرآن والسّنّة. للدّكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة- رحمه الله تعالى- الّذي اعتمد على ذكر الآيات المتعلّقة بحوادث السّيرة ووقائعها. وبذكر الأحاديث الصّحيحة، وترك الأحاديث الموضوعة أو الإسرائيليات المكذوبة. واعتمد أيضا على كتب التّاريخ والسّير قديمها وحديثها، بعد الفحص والتّمحيص والتّحقيق، والموازنة بين الرّوايات، والأخذ بما يصلح للاحتجاج منها، والرّد على أوهام المؤرّخين الّذين بالغوا في مخالفة المحدّثين، وخاصّة إذا عارضت روايتهم ما هو أصحّ منها كرواية صاحبي الصّحيحين. ثمّ تصدّى- رحمه الله تعالى- لأولئك الّذين يحاولون أن يتألكوا بالباطل من المبشّرين والمستشرقين الّذين لا يجدون ثغرة ينفثون منها أحقادهم وسمومهم إلّا نفذوا منها، فكان لهم بالمرصاد.
وكذلك فقد تصدّى للكتّاب المسلمين الّذين تأثّروا بالمستشرقين، وراحوا يلوكون أقوالهم دون تثبّت ومعرفة. فجزاه الله عنّا وعن المسلمين كلّ خير.
1 / 18
ثانيهما: الجامع في السّيرة النّبويّة. تأليف الأخت سميرة الزّايد. فقد كان هذا الكتاب- الّذي يقع في ستّة مجلدات من القطع الكبير- عملا فريدا من نوعه، وينمّ عن جلالة هذا العمل ومدى أهميّته، الجهد الكبير الّذي بذل في سبيل إنجازه. أمّا ثمرة هذا الجهد المبارك فتتجلّى في فائدتين لا تقلّ إحداهما عن الآخرى قيمة وأهمّيّة:
الأولى: الإحاطة بمعظم أحداث السّيرة النّبويّة، وتسجيلها في كتاب جامع، يطلّ القارىء من خلاله على حياة الرّسول ﷺ عامّة، بكلّ جوانبها ومراحلها، وسائر ما فيها وما يتّصل بها.
الثّانية: ربط سائر مرويات السّيرة النّبويّة بمصادرها الأصليّة المتنوّعة. مع بيان أماكن كلّ منها من تلك المصادر على اختلافها.
وهذا الكتاب، من خلال هاتين الفائدتين؛ يعدّ أوّل جهد من نوعه في نطاق الكتابات الحديثة في السّيرة النّبويّة. أرفع للأخت سميرة الشّكر الوفير لجهدها المبارك هذا الّذي قلّما يستطيع أن ينهض به فرد واحد.
وإنّي أجد من البرّ والوفاء أيضا- وتحقيقا لقوله ﷺ: «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» - أن أقدّم جزيل الشّكر والامتنان لمشايخنا وأساتذتنا وإخواننا من طلبة العلم؛ الّذين أسهموا بمجهود مشكور وعمل مذكور في مراجعة وتدقيق وتصحيح نصّ هذا الكتاب المبارك، وكذلك لما أسدوه من ملاحظات وإيضاحات لحواشى الكتاب؛ ممّا أغنى الكتاب وجعله من الكتب المخدومة بحقّ. ونحن لا نزكّي عملنا هذا؛ وإنّما هو من باب التّحدّث بنعمة الله، ولسوف يلمس القارىء الكريم ذلك عند تصفّحه لهذا الكتاب.
نسأل الله أن يقبل ما بذلوه وعملوه، وأن يجزيهم عنّا خير الجزاء.
وإليك أيّها القارئ الغالي أقدم سيرة رسول الله ﷺ مبسّطة، مبوّبة، مرتّبة. بذلت فيها طوقي واستنفدت طاقتي، فإن أصبت فمن الله تعالى، وإن قصّرت عن بلوغ الهدف فمن نفسي، وحسبي بذل الجهد وحسن النّيّة.
أسأل الله العليّ القدير أن ينفع بهذا الكتاب الأمّة المحمّديّة، وأن يكرمهم باتباع سيرة الرّسول وسنّته وأقواله وأفعاله وأحواله ﷺ، إنّه على ما يشاء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتبه
محمّد غسّان نصوح عزقول
1 / 19
نبذة يسيرة عن حياة الامام بحرق رحمه الله تعالى
اسمه:
هو الشّيخ العلّامة المحدّث، الإمام البارع، اللّغويّ النّحويّ الأديب؛ القاضي: جمال الدّين محمّد بن عمر بن مبارك بن عبد الله بن عليّ. الحميريّ، الحضرميّ، الشّافعي. الشّهير ب (بحرق) .
مولده:
ولد- رحمه الله تعالى- في ليلة النّصف من شعبان، سنة تسع وستّين وثمان مئة بحضر موت.
نشأته وطلبه العلم:
نشأ- رحمه الله تعالى- على أحسن الأوصاف والنّعوت بحضر موت؛ المشهود لها بوفرة العلماء ورسوخهم في كثير من فنون العلم، فحفظ القرآن العظيم و«الجزريّة» ومعظم «الحاوي الصّغير» و«الشّاطبيّة» ومنظومة «البرماوي» الأصوليّة و«ألفيّة ابن مالك» النّحويّة. وأخذ عن الفقيه الشّيخ الجليل محمّد بن أحمد باجرفيل الفقه.
رحل إلى (الشحر)، فأخذ عن العلّامة الشّهير عبد الله بن عبد الرّحمن بافضل وقرأ عليه في الفقه وأصوله.
ثمّ إلى بندر (عدن)، فأخذ عن عبد الله بن أحمد بامخرمة الّذي لازمه ملازمة تامّة حتّى تخرّج به، وقرأ عليه الفقه وأصوله والعربيّة، حتّى كان جلّ انتفاعه به، وقرأ عليه «ألفيّة ابن مالك» وجميع «سيرة ابن هشام» وجملة صالحة من «الحاوي الصّغير» في الفقه، وسمع عليه جملة من علوم شتّى. وأخذ عن الشّيخ محمّد بن أحمد بافضل، فقرأ عليه أيضا الفقه وأصوله.
ثمّ ارتحل إلى (زبيد) وأخذ عن علمائها. فأخذ علم الحديث عن المحدّث الشّيخ
1 / 21
زين الدّين محمّد بن عبد اللّطيف الشرجي، وعلم الأصول عن الفقيه جمال الدّين محمّد بن أبي بكر الصّائغ، وأخذ عنه التّفسير والحديث والنّحو، وقرأ عليه «شرح البهجة الورديّة» لأبي زرعة. وأخذ أيضا عن السّيّد الشّريف الحسين بن عبد الرّحمن الأهدل. وصحب الشّيخ أبا بكر العيدروس، وأخذ عنه، وانتفع به، وعادت عليه بركته.
ثمّ رحل إلى (الحرمين) سنة أربع وتسعين وثمان مئة، وأدّى النّسكين العظيمين، واجتمع بالحافظ السّخاويّ، وسمع منه، وأخذ عنه علم الحديث والمصطلح.
مكانته وحياته:
كان- رحمه الله تعالى- ثقة، صالحا، حافظا للأحاديث والآثار، رجّاعا إلى الحقّ، محبّا لأهل العلم، محسنا إلى طلبته، غاية في الكرم، مؤثرا.
تولّى القضاء (بالشحر)، فكان قاضيا عادلا تحمد أحكامه. ثمّ عزل نفسه، وقصد (عدن) فحصل له قبول وجاه عند أميرها مرجان العامريّ.
ولمّا توفّي الأمير مرجان سنة سبع وعشرين وتسع مئة قصد (الهند)، فوفد على سلطانها مظفّر شاه أحمد بن محمود بايقرا (الكجراتي) . فقرّبه السّلطان وأكرمه وعظّمه، وقام به وقدّمه، ووسّع عليه والتفت إليه، وأدناه منه وأخذ عنه، فاشتهر بجاهه. وصنّف للسّلطان كتابنا هذا: «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبويّة الأحمديّة» .
قال السّخاويّ في «الضّوء اللّامع»: وصاهر صاحبنا- أي: بحرق- حمزة النّاشريّ على ابنته وأولدها، وتولّع النّظم أيضا ومدح- السّلطان- عامر بن عبد الوهّاب حين شرع في بناء مدارس (زبيد) والنّظر فيها، فكان من أولها فيما أنشدنيه حين لقيته (بمكّة)، وأخذ عنّي، وكان قدومه لها ليلة الصّعود، فحجّ حجّة الإسلام وأقام قليلا، ثمّ رجع- كان الله له-.
فمّما قال- مادحا السّلطان عامر بن عبد الوهّاب-:
أبى الله إلّا أن تحوز المفاخرا ... فسمّاك من بين البريّة عامرا
عمرت رسوم الدّين بعد دروسها ... وأحييت آثار الإله الدّواثرا
فأنت صلاح الدّين لا شكّ هذه ... شواهده تبدو عليك ظواهرا
قال- أي: السّخاويّ- وكذا أنشدني ممّا امتدح به المشار إليه بيتا هو عشر كلمات:
يا ربّ كن أبدا معينا ناصرا ... شمس الملوك صلاح دينك عامرا
وضمّنه في أربعة أبيات يستخرج منها الضّمير من العشر فقال:
1 / 22
أيّدت دينك يا ربّ العلا أبدا ... بناصر لملوك الأرض قد ضهدا
أعني به عامرا شمس الملوك فكن ... نصيره أبدا في كلّ ما قصدا
وناصرا ومعينا فهو شمس ضحى ... أخفى نجوم ملوك الأرض منذ بدا
سمّيته عامرا لمّا أردت به ... صلاح دينك إرغاما لمن جحدا
انتهى كلام السّخاويّ «١» .
قال عنه العيدروس في «النّور السّافر»: (ما رأيت أحدا من علماء (حضر موت) أحسن ولا أوجز عبارة منه، وله نظم حسن، وهو أحد من جمع بين ديباجتي النّظم والنّثر، فنثره منثور الرّياض جاد بها السّحائب، ونظمه منظوم العقود زانتها النّحور والتّرائب) «٢» .
وهو الّذي يقول هذه الأبيات مجيبا لبعض الفضلاء الممتحنين له من أهل زمانه:
يا من أجاد غداة أنشد مقولا ... وأفاد من إحسانه وتفضّلا
إن كنت ممتحني بذاك فإنّني ... لست الهيوبة حيثما قيل انزلا
وإذا تبادرت الجياد بحلبة ... يوم النّزال رأيت طرفي أوّلا
قسما بايات البديع وما حوى ... من صنعتيه موشّحا ومسلسلا
لو كنت مفتخرا بنظم قصيدة ... لبنيت في هام المجرّة منزلا
من كلّ قافية يروق سماعها ... ويعيد سحبان الفصاحة باقلا
وترى لبيدكم بليدا قلبه ... حصرا وينقلب الفرزدق أخطلا
وعلى جرير نجرّ مطرف تيهنا ... ومهلهلا نبديه نسج مهلهلا
ولئن تنبّى ابن الحسين فإنّني ... سأكون في تلك الصّناعة مرسلا
أظننت أنّ الشّعر يصعب صوغه ... عندي وقد أضحى لديّ مذلّلا
أبدي العجائب إن برزت مفاخرا ... أو مادحا للقوم أو متغزّلا
لكنّني رجل أصون بضاعتي ... عمّن يساوم بخسها متبذّلا
وأرى من الجرم العظيم خريدة ... حسناء تهدى للّئيم وتجتلى
ما كنت أحسب عقربا تحتكّ بال ... أفعى ولا جذعا يزاحم بزّلا
وأنا الغريب وأنت ذاك وبيننا ... رحم يحقّ لمثلها أن توصلا
ولقد أجاد فيها كلّ الإجادة- ولله درّه- ولا يبعد أنّ براعته في الشّعر لمعنى إرثي من إمامه
_________
(١) الضوء اللّامع، ج ٨/ ٢٢٥٣ ز ٠- ٢٥٤.
(٢) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص ١٣٣.
1 / 23
الشّافعي ﵁. انتهى كلام العيدروس «١» .
وقد ذكر له كرامات ومرائي صالحات لا نطيل بذكرها.
وله مقاطيع شعريّة حسنة، منها:
أنا في سلوة على كلّ حال ... إن أباني الحبيب أو إن أتاني
أغنم الوصل إن دنا في أمان ... وإذا ما نأى أعش بالأماني
وله قصيدة عظيمة سمّاها: «العروة الوثيقة في الجمع بين الشّريعة والحقيقة»، أجاد فيها إلى الغاية، وشرحها شرحا سمّاه: «الحديقة الأنيقة» .
لقد كان- رحمه الله تعالى- العالم الّذي يمشي تحت علم فتياه العلماء الأعلام وحملة الأقلام، وتخضع لفصاحته وبلاغته صيارفة النّثر والنّظام. شيخ اللّغة والنّحو والإعراب، وعمدة الفقهاء في نصوص الشّافعي والأصحاب.
مصنّفاته:
صنّف- رحمه الله تعالى- مصنّفات عديدة في الأصول والفروع والحديث والسّيرة والعقيدة والنّحو وفي أهل الأحوال. وقد تلقّاها النّاس بالقبول نذكر منها:
١- حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النّبيّ المختار، المسمّى ب «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبوية الأحمديّة» . وهو كتابنا هذا، الّذي نتشرّف بإخراجه إلى الإخوة القرّاء الكرام.
٢- أرجوزة في علم الحساب.
٣- أرجوزة في علم الطّبّ، وشرحها شرحا مفيدا.
٤- الأسرار النّبويّة في اختصار الأذكار النّوويّة. (مطبوع) .
٥- البهجة في تقويم اللهجة.
٦- ترتيب السّلوك إلى ملك الملوك.
٧- تحفة الأحباب في شرح «ملحة الأعراب»، للحريري. (مطبوع) .
٨- الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثيقة. (مطبوع) .
٩- الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرّسول ﷺ. (مطبوع) .
_________
(١) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص ١٣٣- ١٣٤.
1 / 24
١٠- حلية البنات والبنين فيما يحتاج إليه من أمر الدّين. (مطبوع) .
١١- الحواشي المفيدة على أبيات اليافعي في العقيدة. وذكر في كتابه «ترتيب السّلوك» أنّ له على أبيات الشّيخ عبد الله بن أسعد اليافعي ثلاثة شروح، بسيط ووسيط ووجيز.
١٢- ذخيرة الإخوان، (المختصر من كتاب الاستغناء بالقرآن) . (مخطوط) .
١٣- رسالة في علم الميقات.
١٤- رسالة في الفلك.
١٥- شرح الجزريّة.
١٦- شرح على منظومة الشّيخ أبي الجبيش الأندلسي في العروض.
١٧- شرحان على لامية ابن مالك في التّصريف، مختصر وكبير.
١٨- عقد الدّرر في الإيمان بالقضاء والقدر. (مخطوط) .
١٩- العقد الثّمين في إبطال القول بالتّقبيح والتّحسين. (مخطوط) .
٢٠- فتح الأقفال شرح أبنية الأفعال.
٢١- فتح الرّؤوف في معاني الحروف.
٢٢- مختصر الخلاصة لابن مالك، في عدّة أهل بدر وشرحه.
٢٣- مختصر نهاية النّاشري في علم القراآت.
٢٤- متعة الأسماع بأحكام السّماع، (المختصر من كتاب الإمتاع) .
٢٥- مختصر التّرغيب والتّرهيب، للمنذريّ. (مخطوط) .
٢٦- مختصر شرح لامية العجم، للصّفدي. (مخطوط) .
٢٧- مختصر المقاصد الحسنة، للسّخاويّ.
٢٨- مواهب القدّوس في مناقب العيدروس.
٢٩- النّبذة المختصرة في معرفة الخصال المكفّرة للذّنوب المقدّمة والمؤخّرة.
٣٠- النّبذة المنتخبة من كتاب الأوائل، للعسكريّ.
لعلّ هذه المصنّفات هي الأشهر.
وبالجملة: فجميع مؤلّفاته رائقة حسنة، محرّرة منقّبة مستحسنة، ولهذا تداولها أبناء
1 / 25
الزّمان، وتناقلها المشاة والرّكبان، وعقدت عليها الخناصر، وانعطفت عليها الأواصر.
وفاته:
قال العيدروس في «النّور السافر» «١»: حكي أنّه مات بالسّمّ، وسبب ذلك أنّه حظي عند السّلطان إلى الغاية، فحسده الوزراء على ذلك، فوقع منهم ما أوجب له الشّهادة، وناهيك بها من سعادة.
ومن أحسن ما قيل فيه هذا البيت لبعضهم يمدحه:
لأيّ المعاني زيدت القاف في اسمكم ... وما غيّرت شيئا إذا هي تذكر
لأنّك بحر العلم والبحر شأنه ... إذا زيد فيه الشّيء لا يتغيّر
ومثله قول الآخر فيه أيضا:
فأنت بحر وقاف ما له طرف ... محمّد إسمك المعروف موصوفا
سميّ خير الأنام الطّهر من مضر ... يهناك يهناك هذا الفخر تشريفا
عاش- رحمه الله تعالى- إحدى وستّين سنة، وانتقل إلى جوار ربّه ليلة العشرين من شعبان سنة ثلاثين وتسع مئة (بكجرات)، فشيّعه خلق كثير، ودفن في مدينة (أحمد آباد) .
تغمّده الله بالرّحمة والرّضوان، وأسكنه فسيح الجنان.
_________
(١) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص ١٤٠.
1 / 26