Habermas: Çok Kısa Bir Giriş
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Türler
تلعب فكرة الخطاب الأخلاقي دورا لا تفتأ أهميته تزداد في فكر هابرماس وهو يمسي أكثر اهتماما بالنظرية الديمقراطية والقانونية. ومع ذلك، يستمر هابرماس في الإصرار على أولوية الخطاب الخلقي. ويبرهن أولويته استنادا إلى عدة أسباب. أولها أن الخطاب الخلقي، من الناحية البراجماتية، هو الآلية الافتراضية لحل النزاعات بين الفاعلين في العالم المعيش؛ لأنه، على عكس الخطاب الأخلاقي، يستبعد القيم من عملية التبرير، وبذلك فإنه يتفادى مصدر صراع عويص. وثانيها أن الخطاب الخلقي له أولوية اجتماعية-وجودية معينة على الخطاب الأخلاقي، استنادا إلى حقيقة أن المبدأ الأخلاقي، ومن ثم كل معيار صحيح، متجذر في البنية التواصلية للعالم المعيش. الصواب المعياري ليس قيمة ثقافية، ولا حتى قيمة واسعة الانتشار جدا. إنه يجسد المثل التواصلية للاحترام المتساوي للجميع والتضامن العام الذي تحويه قواعد الخطاب. وهو تخصيص للصحة، ومقابل للحقيقة التي من دونها لما استطاع الفاعلون المتواصلون في المجتمعات الحديثة العيش كما يعيشون. وأخيرا، فإن نموذج كولبرج للتطور الخلقي ونظرية التحديث يدعمان أطروحة أولوية الخلقية. للأفراد ما بعد التقليديين هويات ذاتية مجردة ليست راسخة في أي تقليد بعينه. ويتجلى ذلك في الميل إلى تبني إجراءات تداولية للاستقرار على قضايا خلقية بتدبر، قبل طرح أسئلة جوهرية حيال هوية المرء وماهية الحياة المثلى.
المحصلة أن الخلقية تضع حدودا على الأخلاقيات. بحسب هابرماس، الخطابات الأخلاقية مصادر للتبرير تعمل بالفعل داخل حدود الجواز الخلقي. لنفترض أن التفكر الأخلاقي يفضي إلى حكم ينتهك معيارا خلقيا. بالعودة إلى المثال الذي طرحناه، لنفترض أن الآباء ينتهون إلى أن أفضل سيناريو هو إجبار بناتهم على العودة إلى وطنهن على غير رغبتهن. في هذه الحالة، يجب دفع المشاركين في خطاب أخلاقي يتعلق بصواب هذا الفعل، وربما أيضا يتعين عليهم التعامل مع فكرة خرق القانون. في مخطط هابرماس، مهما كان الاعتبار الأخلاقي مبررا تبريرا وجيها، ومهما كانت أهمية قيمة ثقافية بعينها، فمن الممكن دوما أن يبطلها معيار خلقي صحيح. فالمعايير الخلقية، متى كانت متاحة، تتفوق على القيم الأخلاقية التي تتعارض معها. (5-2) رولز وأولوية الصواب
في هذه النقطة، ثمة وجه شبه بين أخلاقيات الخطاب والأعمال اللاحقة للفيلسوف السياسي الأمريكي جون رولز (1921-2002) الذي يدافع عن أطروحة أولوية الصواب على الخير. ووجه الشبه بين وجهات النظر ليس من قبيل المصادفة ما دامت التنقيحات التي دخلت على أخلاقيات الخطاب في التسعينيات قد تأثرت أيما تأثر برولز. يعتقد رولز أن الصواب والخير مفهومان متكاملان. فالصواب يجب أن يفهم في سياق علاقته بأطروحة رولز القائلة إن المفهوم الحديث العملي للعدالة على أنها الإنصاف يجب أن يكون «سياسيا لا ميتافيزيقيا». ويلاحظ رولز أن المجتمعات الحديثة لم تعد متجانسة ثقافيا؛ فهي تشكل مجموعة ضخمة من وجهات نظر عامة و«مذاهب شاملة» تتنافس أيها يحظى بالولاء. وفي ضوء هذه الحقيقة، فإن الإطار القانوني والدستوري لمجتمع منظم يجب ألا يعول على حقيقة أي وجهة نظر عامة بعينها، أو يفترضها مسبقا. وهذا هو المعنى السلبي للأطروحة التي مفادها أن العدالة يجب أن تكون سياسية لا ميتافيزيقية؛ ولذا، يوصي رولز ب «أسلوب مراوغة» يتم به تقليل النزاع إلى الحدود الدنيا؛ ذلك لأن القيم الأخلاقية والدينية الجدلية تستبعد من عملية التبرير السياسي.
إذا نظرنا نظرة إيجابية للتبريرات السياسية، فسنراها تحتكم إلى أفكار وقيم عامة تحظى بقبول واسع النطاق بين جميع الثقافات والرؤى العالمية المختلفة. إنها جزء مما يطلق عليه رولز اسم «الإجماع المتداخل» الممكن للقيم. ويجب أن يتحرى المرء الحذر هنا. عندما يستخدم رولز اصطلاح «الإجماع»، فهو لا يعني عملية الوصول إلى فهم أو اتفاق والنتيجة المترتبة على تلك العملية. بالنسبة لرولز، يكون المعتقد أو الفكرة جزءا من إجماع متداخل عندما يكون لدى الجميع، بغض النظر عن التقاليد أو الرؤى العالمية، سبب لقبوله. والسبب الذي يقبلونه على أساسه لا يهم. ومن أبرز هذه الأفكار فكرة المجتمع كنظام منصف للتعاون بين المواطنين الأحرار السواسية. يقول رولز إن هذه فكرة خلقية، لكنها لا تتقيد بأي من المذاهب الشاملة؛ فهي تجد لنفسها صدى في كل هذه المذاهب.
يقول رولز إن أي مفهوم عن الصواب (أو العدالة) يفي بهذا المعيار السياسي للتبرير؛ معقول أو مبرر، مع أن هذه المعقولية أو التبرير ليس بمقتضى كونه صحيحا أو جواز كونه صحيحا. فمسألة صحته أو عدم صحته لا تعول على تبريره السياسي. الأمر الذي يعتبر وثيق الصلة هنا هو أنه يثير أقل قدر من الجدل ويحظى بأكبر قدر من الإخلاص. بهذه الطريقة، يفرض الصواب (أو العدالة) إطارا سياسيا ليبراليا يحق لكل فرد فيه المراجعة والتنقيح والسعي لصياغة مفهومه الشخصي عن الخير إلى الحد الذي يتوافق وحرية الآخرين في أن يفعلوا المثل. ومن ثم، فالصواب يعول على وجود عدة مفاهيم متنافسة للخير (أو مذاهب شاملة) من الممكن أن تحظى بدعم المواطنين. والصواب والخير متكاملان: «العدالة ترسم الحدود، والخير يجلي الغاية.» (5-3) هابرماس في مقابل رولز
من الواضح أن هناك اتفاقا كبيرا بين هابرماس ورولز؛ فكلاهما يقبل حقيقة التعددية المعقولة. ويتفق الاثنان على أن هناك فارقا جوهريا بين شيء الخلقية/الصواب والأخلاقيات/الخير، وأن الحاجة تقتضي وضع نظرية وافية لاستيعابهما. علاوة على ذلك، فهما يتفقان على أن الصواب له أولوية على الخير. وأخيرا، فهما يتفقان على أن هناك جانبا وظيفيا أو براجماتيا لأولوية الصواب. إن موضوعية مفهوم الصواب تضمن أن يلقى قبولا واسع النطاق بين الثقافات والرؤى العالمية؛ مما ييسر الاستقرار والانسجام الاجتماعيين.
ولكن كما يتجلى لنا من السجال الشهير بين هابرماس ورولز، هناك مواطن للخلاف أيضا. يفترض هابرماس أنه في مجتمع تعددي ثقافيا، تكون الأفضلية للاعتبارات الخلقية الدنيوية والعلمانية، في حين نجد رولز أكثر لاأدرية حيال هذه النقطة. إن مسألة كون الخلقية دنيوية أم دينية محل خلاف ميتافيزيقي. يعترض هابرماس على أن مفهوم رولز «السياسي» للعدالة يضحي بمكانته الإدراكية (مقبوليته العقلانية) لصالح غايته الوظيفية أو الأداتية المعنية بضمان الاستقرار الاجتماعي. إن مبادئ العدالة مبررة باعتبارها معقولة لا لسبب إلا أنه يصادف أنها تلقى قبول الجميع، بغض النظر عن كون هذه المبادئ تستحق القبول. وفي المقابل، نجد أن المبدأ الأخلاقي يضمن أن جميع المعايير المقبولة عقلانيا، دون سواها، هي المبررة (أي التي تستحق القبول من الجميع) على أساس أنها تجسد بالدليل مصلحة قابلة للتعميم. ووفقا لأخلاقيات الخطاب، يرتبط الصواب الأخلاقي بالصحة داخليا، ويناظر الحقيقة؛ ولذا، فإن هابرماس يعتبر أنه قدم مسوغات «معرفية» و«إدراكية»، لا وظيفية وحسب ، على أولوية الخلقية؛ فقد أثبت أن الخلقية هي المعرفة، لا التعبير عن قيم من الممكن تبنيها.
ومن ناحية رولز، فهو يرد على هابرماس بأن الأخير، إذ أسند أخلاقيات الخطاب إلى نظريته الجدلية للمعنى (وإذ يصر على أن الخلقية علمانية)، يطرح مبدأ ميتافيزيقيا جديدا فحسب. ويمتد أسلوب رولز في الإعراض أيضا ليشمل النظريات الفلسفية وما وراء الأخلاقية (أي النظريات التي تتناول ماهية الخلقية)؛ حيث لا يقتصر فقط على الرؤى العالمية والمذاهب الميتافيزيقية. ويزعم رولز أن الفلسفة السياسية ينبغي أن تتفادى اتخاذ أي إجراءات نظرية لا حاجة لها، من شأنها أن تجلب له المتاعب لاحقا. من جانب واحد، من الواضح أن رولز محق.
يرتبط برنامج هابرماس لأخلاقيات الخطاب ارتباطا وثيقا بمجموعة كاملة من وجهات النظر الفلسفية الجدلية المتعلقة بالمعنى والتواصل وما إلى ذلك. ورغم ذلك، فإن شاغل هابرماس الأكبر هو إنكار كون نظرية الخطاب الخلقي ميتافزيقية، انطلاقا تحديدا من كونها تعبر عن قيم ثقافية محددة. يرصد الخطاب الخلقي إجراء شكليا وعاما ليس له بديل مقبول، يحدد بواسطته المشاركون مجتمعين ما يصح من الناحية الخلقية. ومن ثم فهو يؤسس حدود الجواز الخلقي التي يعمل في إطارها الخطاب الأخلاقي. (هذه الحجة تتعرض للتقويض إلى حد ما بفعل إخفاقه في طرح اشتقاق شكلي للمبدأ الخلقي.)
المقارنة بين رولز وهابرماس فيما يتعلق بمسألة الأولوية مفيدة، لكنها في الوقت عينه مضللة بعض الشيء عندما تتجرد من سياق المشروعات الفلسفية لكل منهما؛ فأطروحة رولز لأولوية الصواب ترتبط بمفهومه اللاميتافيزيقي عما هو سياسي. فهو يهدف إلى وضع مفهوم مستقل لكل ما هو سياسي يدعم مفهومه للعدالة كإنصاف، وفي الوقت نفسه يحصنه من أي جدل لا داعي له. أما مشروع هابرماس فهو شامل بالمقارنة، لأنه معني بجميع جوانب النظام الاجتماعي، بما في ذلك أبعاده الخلقية والأخلاقية والسياسية والقانونية. ورغم أنه يظن أن الاعتبارات الخلقية يجب ألا تحتكم إلى قيم ثقافية جدلية، فهو ينكر أن ما هو سياسي يمكن أن يكون مستقلا بالطريقة التي يظن رولز أنه يجب أن يكون عليها . وعلى النقيض ، يشكل ما هو سياسي مجموعة متنوعة كاملة من آليات مختلفة لحل النزاعات، تعتمد بشكل مستقل على الأنواع الثلاثة المختلفة للخطاب العملي. (6) معقولية تمييز هابرماس بين الخلقية والأخلاقيات
Bilinmeyen sayfa