الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد
Yayıncı
دار ابن الجوزي
Baskı Numarası
الرابعة ١٤٢٠هـ
Yayın Yılı
١٩٩٩م
Türler
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاّ الضَّالُّونَ﴾ ١، لأنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك وأعظم، لكنه قال للملائكة: ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ ٢، قال ذلك على وجه التعجب والتفكر في عظيم قدرة الله ورحمته.
وهذا نبي الله يعقوب ﵇، لما أشتد به الأمر، وتأزم الحال بفراق بنيه؛ عظم رجاؤه بالله وطمعه برحمته، وقال لبنيه الحاضرين عنده: ﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ ٣، وقال: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ ٤.
وهذا نبيا محمد ﷺ قال الله عنه: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ ٥، فعظم رجاؤه عند الشدة، ويقول: "واعلم أن الفرج مع الكرب".
والله - سبحانه - ينهى عباده الذي كثرت ذنوبهم وعظمت جرائمهم أن يحملهم ذلك على القنوط من رحمته وترك التوبة منها؛ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ ٦، فنهى - سبحانه - عباده أن تحملهم كثرة ذنوبهم على ترك التوبة واليأس من المغفرة.
وقد عد النبي ﷺ اليأس من روح الله من الكبائر؛ فعن ابن عباس ﵄، أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله". وعن ابن مسعود؛ قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح
_________
١ سورة الحجر، الآية: ٥٦.
٢ سورة الحجر، الآية: ٥٤.
٣ سورة يوسف، الآية: ٨٧.
٤ سورة يوسف، الآية: ٨٣.
٥ سورة التوبة، الآية: ٤٠.
٦ سورة الزمر، الآيتان: ٥٣ - ٥٤.
1 / 72