من صعيد مصر وهو آخر ملوك بني أمية وكانت دولتهم ثلاثًا وتسعين سنة وأحد عشر شهرًا وأيامًا وهرب عبد الحميد إلى قرية تعرف بالأشمونين فاختفى بها فدل عليه وحمل إلى أبي العباس السفاح بأمان فلم يحظ عنده وقال الجهشياري قتل وقد ذكر آنفًا ومن أحسن ما تطرب به الأسماع ويلطف به كثيف الطباع ما يحكى إن معاوية بن أبي سفيان تزوج ميسون بنت مجدل ونقلها من البدو إلى الشأم وكانت كثيرة الحنين إلى أناسها والتذكر لمسقط رأسها فأنصت لها يومًا فسمعها تنشد
لبيت تخفق إلا رياح فيه ... أحبّ إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة في كسر بيتي ... أحبّ إليّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج ... أحبّ إليّ من نقر الدفوف
وكلب ينبح الطرّاق دوني ... أحبّ إليّ من قط الوف
وبكر يتبع الأطلال صعب ... أحبّ إليّ من بغل ردوف
وخرق من بني عمي نحيف ... أحبّ إليّ من علج عنيف
خشونة عيشتي في البدو أشهى ... إلى نفسي من العيش الظريف
فما أبغي سوى وطني بديلًا ... فحسبي ذاك من وطن شريف
فلما سمع معاوية الأبيات قال ما رضيت بي بنت مجدل حتى جعلتني علجًا عنيفًا ثم طلقها وردها إلى أهلها ويقال من الوفاء تشوق الرجل لاخوانه وحنينه إلى أوطانه وتلهفه على ما مضى من زمانه وقالوا الكريم يحن إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه ويقال من علامة الكريم أن تكون نفسه إلى مولده تواقة وإلى مسقط رأسه مشتاقة شاعر
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إليّ وسلمى أن يجود سحابها
1 / 46