Akılları Besleyen Adab Manzumesi Şerhi
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Yayıncı
مؤسسة قرطبة
Baskı Numarası
الثانية
Yayın Yılı
1414 AH
Yayın Yeri
مصر
Türler
Tasavvuf
فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: السَّمْعُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَصَرِ. قَالُوا لِأَنَّهُ بِهِ تُنَالُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِمُتَابَعَةِ الرُّسُلِ وَقَبُولِ رِسَالَاتِهِمْ، وَبِالسَّمْعِ عُرِفَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ لَا سَمْعَ لَهُ لَا يَعْلَمُ مَا جَاءُوا بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّمْعَ يُدْرَكُ بِهِ أَجَلُّ شَيْءٍ وَأَفْضَلُهُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي فَضَّلَهُ عَلَى الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. وَأَيْضًا إنَّمَا تُنَالُ الْعُلُومُ بِالتَّفَاهُمِ وَالتَّخَاطُبِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّمْعِ، وَمُدْرَكُ السَّمْعِ أَعَمُّ مِنْ مُدْرَكِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، وَالشَّاهِدَ وَالْغَائِبَ، وَالْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْمُشَاهَدَاتِ، وَالسَّمْعُ يَسْمَعُ كُلَّ عِلْمٍ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ.
وَلَوْ فَرَضْنَا شَخْصَيْنِ أَحَدُهُمَا يَسْمَعُ كَلَامَ الرَّسُولِ وَلَا يَرَى شَخْصَهُ، وَالْآخَرُ بَصِيرٌ يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ لِصَمَمِهِ هَلْ كَانَا سَوَاءً؟ وَأَيْضًا فَفَاقِدُ الْبَصَرِ إنَّمَا يَفْقِدُ إدْرَاكَ بَعْضِ الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُشَاهَدَةِ وَيُمْكِنُهُ مَعْرِفَتُهَا بِالصِّفَةِ وَلَوْ تَقْرِيبًا بِخِلَافِ فَاقِدِ السَّمْعِ، فَإِنَّ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ.
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكُفَّارَ بِعَدَمِ السَّمْعِ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَمِّهِ لَهُمْ بِعَدَمِ الْبَصَرِ، بَلْ إنَّمَا يَذُمُّهُمْ بِعَدَمِ الْبَصَرِ تَبَعًا لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ.
وَأَيْضًا الَّذِي يُورِدُهُ السَّمْعُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ الْعُلُومِ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ كَلَالٌ وَلَا سَآمَةٌ وَلَا تَعَبٌ مَعَ كَثْرَتِهِ وَعِظَمِهِ، بِخِلَافِ الَّذِي يُورِدُهُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْكَلَالُ وَالضَّعْفُ وَالنَّقْصُ، وَرُبَّمَا خَشِيَ صَاحِبُهُ عَلَى ذَهَابِهِ مَعَ قِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّمْعِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَلْ الْبَصَرُ أَفْضَلُ، فَإِنَّ أَعْلَى النَّعِيمِ لَذَّةً وَأَفْضَلَهُ مَنْزِلَةً النَّظَرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يُنَالُ بِالْبَصَرِ، وَهَذِهِ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ فِي تَفْضِيلِهِ. قَالُوا وَهُوَ مُقَدِّمَةُ الْقَلْبِ وَطَلِيعَتُهُ وَرَائِدُهُ، فَمَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ أَقْرَبُ مِنْ مَنْزِلَةِ السَّمْعِ، وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُقْرَنُ بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ كَقَوْلِهِ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢] فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَلْبِ وَالْبَصَرُ بِالْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠] وَلَمْ يَقُلْ وَأَسْمَاعَهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]
1 / 77