أغرم الملك هنري الثامن بتغيير زوجاته حتى بلغ عددهن ستا، وقد كانت أولى زوجاته «كاترين أراجون». وهي إسبانية الأصل، وكانت زوجة لأخيه أرثر الذي مات وهو في عنفوان شبابه.
فلما تولى هنري الثامن الحكم رغب في الزواج بأرملة أخيه؛ لأنه كان يعجب بجمالها على الرغم من أنها كانت أكبر منه سنا. وقد قضت كاترين إلى جانب الملك هنري الثامن مدة تبلغ نصف حكمه الذي وصل إلى 83 عاما، ولكنها أخفقت في أن تلد له ذكرا يرث العرش من بعده، كما أنه ما لبث أن شعر بالرغبة في التجديد.
آن بولين
ووقع نظر الملك في ذلك الوقت على «آن بولين»، وكانت فتاة بارعة الجمال، صغيرة السن؛ فأسرت قلبه لحسنها وخفتها. كانت آن من أسرة متواضعة، إلا أنها نظرا لجمالها عينت وصيفة شرف للأميرة ماري شقيقة الملك عند سفرها إلى فرنسا في عام 1514، وقد عادت في عام 1522 فذاعت شهرتها في دوائر البلاط الإنجليزي، وقد عرفت في ذلك الوقت بخفة الروح، وحضور البديهة. ولما رأت تعلق الملك بها بدأت أطماعهما العظيمة، وصممت على أن تصبح ملكة إنجلترا، فرفضت بكل إباء عروض الملك غير الشريفة، وكانت كلما رفضت ازداد هو حبا لها، وكان أول ما فعله أن أنعم على والدها بلقب سير.
في ذلك العهد كانت في إنجلترا نهضة نسوية قوية تهاجم نساء العهد السابق نصيرات الجمود والقديم مثيلات كاترين أراجون، وكان لهذه النهضة ألوانها المتعددة، وأغراضها الجديدة، ونزعاتها المتطرفة، وحرياتها المبتذلة؛ ولذلك شعر هنري، وهو تحت تأثير ذلك الجو، برغبة قوية تدفعه إلى التخلص من زوجته كاترين والزواج من الحسناء آن بولين.
وكان الملك يطارد آن بولين في حجرات القصر وردهاته وهو يشعر برغبة جامحة في البقاء إلى جانبها، ولكن الفتاة كانت تفر منه، وتتخلص من مطاردته بسرعة الغزال الشارد أمام صياده؛ ولذلك لم يجد بدا من الاستقرار عند فكرة الزواج منها، بعد أن يئس من الحصول على شيء منها دون زواج.
ولكن ما العمل والديانة الكاثوليكية تحرم الطلاق، بل وأي عذر ينتحل لطلب الطلاق من كاترين أراجون؟
لم يكن من الصعب على هنري الثامن مدفوعا بغرامه القوي بآن بولين أن يجد عذرا يلتمس به الطلاق، فأخذ يدعي أن ضميره دائم الاضطراب لزواجه بكاترين أراجون أرملة أخيه على الرغم من تحريم الدين، وقال: إنه يشك في أن شقيقه ارتاح لعقد مثل هذا الزواج، بل لا بد أن المسكين يتعذب في قبره وهو يرى زوجه المحبوبة قد انتقلت إلى ذراعي شقيقه.
ولم يكن غريبا بعد أن رأى الملك آن بولين وعشقها، وصمم على الزواج منها، أن يستيقظ ضميره ليؤنبه على الزواج من كاترين أراجون أرملة أخيه بعد سنوات طويلة من هذا الزواج.
وتم طلاق الملك من زوجته الأولى كاترين أراجون في عام 1524، بعد أن عارضت البابوية في روما، فلم يأبه هنري لمعارضتها، وبعد أن امتنعت عن المصادقة على الزواج الجديد، فلم يكن منه إلا أن أحدث انقلابا من أخطر الانقلابات التي انتابت المسيحية في أوروبا، فقد جعل أسقف كنتربري الإنجليزي يعقد الزواج الجديد، وفصل الكنيسة الإنجليزية عن كنيسة روما، وصار ملك إنجلترا منذ ذلك الوقت هو رأس الكنيسة. وكل ذلك من أجل عيني آن بولين الحسناء.
Bilinmeyen sayfa