واستطاع غاندي أن يمضي 21 يوما في الصوم، واحتفل بإفطاره فرتل هو وأصدقاؤه من الهنود بعض الأناشيد الهندوكية. ثم رتل صديقه «إمام صاحب» سورة من القرآن، ثم رتل أصدقاؤه من المسيحيين بعش الأناشيد باللغة الإنجليزية. وتقدم إليه «الدكتور أنصاري» بكوب من عصير البرتقال فشربه، وكان هذا إفطاره، فانفض الذين حوله وانكفأ هو إلى فراشه حيث نام. •••
ولا بد أن هذه المحنة التي خرج منها غاندي سليما قد قوته في اجتياز المحنة الثانية، وإن كان جسمه قد صار أضعف وأقل تحملا للخطر. وهو إذا لم يكن قد نجح في إزالة الأحقاد الدينية فإنه استطاع أن يخففها. والنجاح التام الذي لا ينقصه شيء لا يوجد إلا في خيال الأطفال، وهو في صومه من أجل المنبوذين لا يطمع في محو النجاسة محوا تاما ولكنه يرجو التخفيف من أذاها.
ومهما استغربنا الطرق التي يتبعها غاندي في تنبيه الأمة الهندية وإيقاظ ضميرها فإننا لا نستطيع الشك في أنه يعرف اللغة التي يخاطب بها أمته، كما أنه الآن مثل رائع يدعو إلى الإصلاح والتقوى والخير والبر.
الفصل الثامن عشر
غاندي وفورد
إذا كان في العالم شخصان يناقض أحدهما الآخر في مبادئه وأفكاره، ومع ذلك نرى لكل منهما مكانا في قلوبنا، ونحبهما على السواء، فهما غاندي وفورد.
فإن غاندي يمثل الشرق القديم كما يمثل فورد الغرب الحديث.
يدعو غاندي بلسانه وسيرته إلى الروحية والزهد، بينما يدعو فورد إلى المادية والترف. ويكبر غاندي من شأن الضعف وسذاجة الريف، بينما فورد يعمل للمدنية ولغته هي لغة الطاقة الكهربائية أو الحرارية. وأخيرا يدعو غاندي إلى العمل اليدوي، بنما يدعو فورد إلى إلغاء العمل اليدوي من العالم والاقتصار على الآلات.
وبكلمة أخرى نقول إن فورد يمثل المدنية الغربية التي تقول بالاستمتاع بما في الدنيا من أطايب اللذات الحسية والمعنوية وزيادة فراغ الناس لكي يشغلوه بالاستمتاع، وإنما يزيد هذا الفراغ إذا هم جعلوا الآلات الضخمة تعمل أعمالهم. بينما غاندي يمثل المدنية الشرقية حين يدعو إلى القناعة والنسك وإنكار النفس والكد والكدح باتخاذ صناعة يدوية كالغزل مثلا.
وأساس المدنية الغربية الآن هو العلم والتجربة، وكلاهما يؤمن به فورد ويعتمد عليه، وقد استطاع بهما أن يخرج في اليوم الواحد عشرة آلاف أتومبيل من مصانعه وأن يعطي أصغر عامل عنده 30 جنيها في الشهر، وأن يوفر له الفراغ الذي يبلغ 17 ساعة في يوم العمل ويومين كاملين في الأسبوع.
Bilinmeyen sayfa