ورنت كلمة فريد في رأسها، وانقشعت عن عينيها غشاوة النوم واستيقظت تماما، وتذكرت بوضوح شديد، ويقين لا يقبل الشك، ما حدث ليلة الأمس، وعرفت سبب ذلك الانقباض الذي جثم فوق صدرها، فإن فريد لم يأت في الموعد الذي اتفقا عليه ليلة أمس.
واستدارت لتترك المرآة، ولتخرج من باب حجرتها إلى الحمام، لكنها لمحت التليفون فوق الرف بجوار السرير، ووقفت لحظة، ثم سارت إلى طرف السرير وجلست تصوب إلى التليفون نظرة طويلة، ومدت أصبعها لتضعه في الثقب ولتدير القرص الخمس الدورات، لكنها سحبت يدها ووضعتها بجانبها فوق السرير؛ كيف تطلبه بعد أن أخلف الموعد بغير اعتذار؟ أليس من الممكن أنه أخلف الموعد عن عمد، وأنه لا يريد أن يراها، وأن حبه انتهى؟ انتهى كما ينتهي أي شيء، بسبب، أو بغير سبب، وما فائدة أن تعرف السبب ما دام قد انتهى، وهل يمكن أن تعرف السبب؟ إنها لم تعرف لماذا بدأ، كان يقول إنه يرى في عينيها شيئا ما وشيئا لا يراه في عيون الأخريات، شيئا يميزها عن النساء.
ونهضت من جوار التليفون وسارت إلى المرآة، ونظرت في عينيها، كانت تمعن النظر وتبحث عن ذلك الشيء ألما، ورأت الدائرتين البيضاوين الواسعتين تعوم داخلهما الدائرتان الخضراوان تتوسط كلا منهما تلك الحبة السوداء الصغيرة، عينان كأي عينين، كعيني الخروف، أو البقرة، أو الأرنب المذبوح.
أين هو ذلك الشيء الذي رآه فريد، والذي رأته هي بعينها، رأته أكثر من مرة يطل من داخل هاتين الدائرتين الخضراوين، كان يطل منهما، بارزا متحركا ككائن حي، أكان يتحرك؟ كيف كان يتحرك؟ إنها لا تذكر كيف كان يتحرك، ولا تذكر أنه كان يطل من الدائرتين الخضراوين، ربما كان يطل من مكان آخر، من أنفها ... من فمها ...! آه ... لا ... ليس فمها، ليس من تلك الفرجة القبيحة.
لم يكن هناك شيء ما، إنها لم تره، لم تره يطل من شيء، فريد كان يكذب، ولماذا كان يكذب؟ كان يكذب كما يكذب أي أحد، ما الغريب في أن يكذب أي أحد؟ ولكن فريد لم يكن أي أحد، كان مختلفا، كان مختلفا عن الآخرين، وكيف كان مختلفا؟ إنها لا تعرف تماما، ولكن كان هناك شيء ما في عينيه يجعلها تحس أنه مختلف، نعم كان هناك شيء ما في عينيه لا تراه في عيون الرجال، شيء ما يلمع ويطل من عينيه البنيتين، بارزا متحركا ككائن حي، وماذا كان هذا الشيء؟ إنها لا تتذكر، إنها لا تعرف تماما ماذا كان، ولكنها رأته، نعم رأته بعيني رأسها هاتين.
وصوبت أصبعها إلى عينيها فاصطدم بزجاج المرآة، وتنبهت، ونظرت إلى الساعة، كانت الثامنة، وتركت المرآة بسرعة، فقد حان موعد ذهابها إلى الوزارة.
توقفت مرة أخرى أمام الدولاب، فقد دخلت كلمة الوزارة مع الهواء إلى أنفها كحصوة مدببة، وحاولت أن تعطس لتطردها، لكن الهواء دفعها إلى صدرها، واستقرت في قاع صدرها، في ذلك الخندق المثلث تحت ضلوعها، أو بعبارة أدق عند تلك الفوهة التي تفتح على معدتها.
كانت تعرف أنها ستستقر في هذا المكان، إنها ترتع في تلك المساحة الخصبة، تأكل وتشرب وتنتفخ، نعم كانت تنتفخ كل يوم، وتضغط بجسمها الصلب على معدتها، التي كثيرا ما حاولت أن تلفظها، فتنقبض عضلاتها وتنبسط، وقد تفرغ كل ما في جوفها، لكن الكتلة الصلبة المدببة تبقى تحك بجدار معدتها كدبوس، ملتصقة به، قابضة عليه بأسنانها كدودة شريطية.
وسارت إلى الحمام وهي تحس بالألم المزمن تحت ضلوعها، تصاحبه رغبة في القيء لا تتحقق، وأسندت رأسها إلى حائط الحمام، إنها مريضة، مرضها حقيقي، وليس ادعاء، ولا يمكن لها أن تذهب إلى الوزارة.
ودب بعض النشاط في جسمها الناحل، وسارت بخطوات سريعة إلى السرير، ثم قفزت فوقه، ودخلت تحت اللحاف، وكان يمكن أن تغمض عينيها وتنام، لكنها تذكرت أنها يجب أن تطلب مدير القسم في التليفون وتعتذر له عن غيابها بسبب المرض.
Bilinmeyen sayfa