فلم تعد سلمى تصبر على الجواب فحولت وجهها إليه وقالت: إنك لتطمع في أمر يقصر عنه باعك، فانصرف من هنا بسلام.
فضحك وقال: إلى أين أنصرف يا سلمى؟ أأنصرف إلى أمير المؤمنين فأطلعه على أمرك فيصيبك ما أصاب ابن عمك؟ أظنك لم تفهمي مغزى كلامي بعد، فاعلمي إذن أن عبد الرحمن أصبح في قبضتنا ولم يبق له مطمع في الحياة، فاستبقي نفسك وعامرا، وإلا فالموت أقرب إليكما من حبل الوريد.
قال ذلك والخبث يتجلى في وجهه، فابتدرته سلمى قائلة: خسئت يا نذل! إن باعك وباع يزيد أقصر من أن تنالا شعرة من عبد الرحمن.
فضحك شمر ضحكة طويلة وقال: أتظنين أننا قاصرون عنكم؟! ألم تفهمي أن عبد الرحمن أسير عندنا وقد قبضنا عليه وهو يحاول قتل أمير المؤمنين؟ فمن أين تأتيه الحياة بعد؟! أقلعي عن عنادك وأطيعي ناصحا يعرض عليك السعادة، فإذا رفضتها أذاقك الموت الزؤام.
قالت: لا تحسبني جاهلة ما تقوله؛ فقد علمت أن عبد الرحمن أسير، وأنك وشيت به، وأعلم أنك قادر على أن تشي بي أيضا وتميتنا معا، ولكن الموت مع عبد الرحمن خير من الحياة معك يا خائن! فامض لشأنك وافعل ما تشاء، والموت أسهل ما تخوفني به، وهو أحب إلي من قربك، فإذا بعدت عن وجهي لا أبالي حييت أم مت.
فوقع ذلك التقريع موقع السهام في قلبه، ولكنه كان شديد الولع بسلمى منذ كانت في العراق، وهو إنما لحق بهم إلى الشام وأوقع بعبد الرحمن طمعا في الحصول عليها؛ لأنه لم يكن يجرؤ على منافسته فيها، فلما أوقعه في الأسر ظنها تيأس من حياته وتخاف على حياتها فترضى به، وكان يريد مخاطبة عامر في هذا الشأن، فلما لم يجده هناك خاطبها وعجب لشجاعتها وعزة نفسها، فقال: يا للعجب من جهالتك! لقد كنت أحسبك عاقلة فإذا أنت حمقاء مغرورة! ولكني أعرض عليك الحياة مرة أخرى فإذا رفضتها كان ذلك آخر العهد بك.
قالت: امض وافعل ما تشاء. اخرج من هنا وليكن ما يكون.
فخرج شمر والغضب ظاهر في وجهه وحركاته، وهو يلعن سلمى ويتوعدها، ولكن قلبه لم يطاوعه، فصبر نفسه ريثما يعود عامر ويحمله بالوعد أو الوعيد على إقناعها. •••
أغلقت سلمى الباب وراء شمر وأطلقت لنفسها عنان البكاء، وجلست تندب سوء حظها وتفكر في مصير عبد الرحمن ومصيرها. حتى إذا كلت من البكاء والنحيب استرجعت رشدها وأعملت فكرها فلم تر خيرا من أن تنتظر عودة عامر فتستشيره في الخروج من هذا الدير والاختفاء في مكان آخر ريثما ينفتح باب الفرج.
ومضى معظم النهار وسلمى بين بكاء وتأمل، دون أن تذوق أي طعام أو شراب. حتى إذا مالت الشمس نحو الأصيل سمعت وقع خطوات مسرعة أمام باب الغرفة، فخفق قلبها، ثم رأت الباب قد فتح ودخل عامر وعلى وجهه ظواهر الدهشة فازداد اضطرابها وقالت: ماذا وراءك؟
Bilinmeyen sayfa