قال: إن يزيد قادم إلى الدير مساء اليوم، وسيقيم هنا ليلة ريثما يستريح ثم يشخص إلى حوران، فإذا استطعت أمرا ينسينا مصائبنا وأحزاننا فإنك تفرجين كربنا وترفعين عن عاتق المسلمين ثقلا كبيرا.
فأطرقت سلمى هنيهة ثم قالت: إني فاعلة ذلك بإذن الله، ولكن هل يسعدني الحظ بعد ذلك بلقيا عبد الرحمن؟
قال: إذا نجحت في قتل هذا الرجل فإنك تحيين عبد الرحمن وتقيمينه من بين الأموات.
فاقشعر بدنها وقالت: إذن أنت واثق من موته؟
قال: كلا، ولكن أرجو أن تؤدي الواجب عليك والله نصير المظلومين، وإذا كتب لك لقاء عبد الرحمن في هذه الدنيا فإنك تلقينه ظافرة وتعيشان سعيدين، وإلا فإنك تلاقينه في الآخرة وقد انتقمت لأبيك ولأهل البيت.
وأرادت أن تجيبه فسمعت الناقوس يدعو الرهبان وسائر أهل الدير إلى العمل فهمت بالرجوع. فناداها وقال: تمهلي يا سلمى، ثم تناول طرف ثوبه فحل عقدة فيه وأخرج منها ورقة دفعها إليها وقال: خذي هذه الورقة فإن فيها دواء الظلم، إذا شربه يزيد شفي الإسلام من دائه.
فعلمت أنه سم فتناولت الورقة وفتحتها فرأت فيها مسحوقا ناعما، فعادت وطوتها وخبأتها في جيبها، وهرولت إلى الدير حتى أتت المطبخ واشتغلت مع سائر النساء بإعداد الطعام.
ولما مالت الشمس إلى الأصيل ظهر غبار في عرض الأفق، ولم يكد يراه الرهبان حتى خرجوا بالمباخر والقماقم واصطفوا في ساحة الدير، وعليهم الملابس الرسمية تتلألأ بألوانها الزاهية، وفيهم المرتلون وضاربو الصنوج والرئيس في مقدمة القوم وبين يديه غلمان يحملون سعف النخل وطاقات الزهور.
وبعد هنيهة أقبل الركب تتقدمه الخيالة، وأولهم يزيد راكبا على جواد عربي عدته من الفضة الناصعة البياض، وعلى كتفه قباء وردي اللون مزركش بالقصب، فلما وقع نظر سلمى عليه عرفته، واقشعر بدنها إذ تذكرت حالها معه، ولكنها تجلدت ولبثت تنتظر ما يكون، فإذا بالرجالة أسرعوا فضربوا فسطاطه بقرب الدير، وترجل الفرسان وأقبل الخدم وفيهم خدمة الصيد يحملون البزاة والقرود ويسوسون الكلاب والفهود كما رأتهم في دير خالد منذ نحو عامين، وكان يزيد إذا رحل جعل همه الاشتغال بالصيد.
ولما ترجل يزيد استقبله الرئيس وكبار أهل الدير ورحبوا به، فلما دخل الفسطاط دخلوا في أثره واستعطفوه ليقيم بينهم ويتناول العشاء عندهم فأجاب دعوتهم.
Bilinmeyen sayfa