المعيشة رخيصة جدا في لبنان، لا تصدق أقوال الجرائد عن الغلاء، إجمالا تقدر أن تعيش هنا بأقل بكثير مما تنفقه هناك بشرط أن لا تطلب الزعامة وألا تصدق نفسك بأنك مغترب كبير، وبشرط أن لا تطلب أكل العنب في شباط بدلا من أيلول. المعيشة هنا رخيصة، الكنفشة غالية، بليرا تصل إلى بيروت في أوتوموبيل ثمنه عشرة آلاف ليرا من غير أن تدفع عشرة آلاف ليرا ثمن أوتوموبيل.
أكثر ما تنشره الجرائد هنا صحيح، وعلى ذكر الجرائد فإني أشكرك على أهدائك إياي جريدة «الأورينتي»، هكذا يتسنى لي تتبع أخباركم، وأنا حين أقرأ «الأورينتي» الأرجنتينية، و«الأوريان» اللبنانية، أرى التعليق والأخبار تقريبا هي هي، الأسماء والأماكن مختلفة. على كل حال يا شمدص متى رجعت، وهذه هي الوصية الكبرى التي أوصيتني بها، أي أمر رجوعك إن كان من الحكمة أولا، فأنت تريد العودة للعيش لا للوعظ ولا للإصلاح ولا للقيام بالثورات الاجتماعية أو السياسية. فإذا مررت وزوجتك بشوارع بيروت، ورأيت بعض الرجال يبللون الحيطان فلا تقترب من الرجل وتؤنبه، بل قل للمدام أن تدور بوجهها إلى الجهة المعاكسة، وإن اتفق أن كان هناك أيضا رجل آخر واقفا قبالة الحائط، قل للمدام ترى لماذا هذا الرجل يحدق بالحائط؟ وإن ركبت تاكسي ادفع للشوفير نصف ليرا زيادة، فقولة «الله يعوض عليك.» لم نكن نسمعها في الأرجنتين يا شمدص، وهي تساوي أكثر من نصف ليرا. ومتى أردت أن تستبدل حوالة مائة دولار رح بنفسك إلى الصراف لا ترسل يوسف ابن عمنا.
عدم المؤاخذة لم أذكر شيئا عن فلسطين؛ فإني أعلم أنكم هناك تهتمون بها، إن الناس يفوهون بأقوال، ويكتبون مقالات عن اليهود الأعداء، لو أنها قيلت أو كتبت في أي بلدان الدنيا عن أعداء تلك البلدان، لهاجموا القائلين والكاتبين، وأحرقوهم في الشوارع.
في الأسبوع الماضي زرت مخيما قرب طرابلس، وجدتهم - رجالا ونساء وأولادا وأطفالا - على الأرض، بدون فرش ولا أغطية، ورأيت غلاما راجعا إلى الخيمة فرحا؛ إذ إنه وجد كسرة جرة يستعملها لجلب ماء الشرب من النهر. هل ممكن أن تجمعوا شيئا هناك لهم، وهذه المرة ننتقي شخصا أو منظمة توصل المال إلى مستحقيه.
البناء في بيروت - شأنه في أكثر بلدان الدنيا - على قدم وساق وفخذ. سمعت أن قصرا شيد حديثا زينوا أحد جدرانه بالذهب المذوب. أعتقد أن هذا مبالغة، إنما قصة كسرة الجرة قرب طرابلس - وحياة شرفك وشرفي - إنها صحيحة.
ثم لا تقلقوا عما قد تقرءونه في الجرائد عن المشاحنات والقتل والضرب، هل تذكر حينما كنا نخشى في الأرجنتين وقوع حرب أهلية في لبنان؟ إن هؤلاء الذين يتناظرون ويتطاحنون، يقضون أكثر السهرات سوية بين ضحك ودعاب ولعب بوكر. ذكرني أن أرسل لك مكتوبا آخر عن اللعب في لبنان، فإن لاحظتم من مقالات الجرائد أن ستقع الواقعة هنا خففوا من مخاوفكم، واذكروا أن ما تقرءون هو كلام أساتذة فقط.
كدت أختم هذه الرسالة من غير أن أوضح لك الأمر المهم؛ أي مسألة رجوعك، ورجوع سائر الإخوان، وأختصرها بما يلي: (1)
لا ترجع بأقل من عشرة آلاف دولار إن كان هذا المبلغ متيسرا، فمن الهين أن تبدأ أعمالا كثيرة تسوكر لك مصروفك. أما من معه أكثر من عشرة آلاف دولار، فلا يحتاج إلى نصيحة أحد. (2)
شعبنا مع كل نقائصه أشرف وأحسن وأكرم وألذ شعوب الدنيا. في وسعك اختيار شلة من الأصحاب تعيش معهم في هناء، من الآن إلى عندما. (3)
لا ترجع بفكرة أنك ستصلح الحكومة أو البشر، وابتعد عن الحكومة ما أمكنك. (4)
Bilinmeyen sayfa