هذه القشرة في نفسي حسبتها تتكثف، كنت أتوهم أنني أصبحت كجذع شجرة، كل سنة تطوق أحداثها بدائرة تشطرها عن الدائرة السابقة.
في العام الماضي قرأت نبأ ثورة بركان في جزيرة «مامباهو» في الفلبين، أشغل الخبر قراء الصحف أسبوعا، ثم تطوق وجمد، وانتهى.
ورجعت إلى نفسي أعد أطواق السنين - خمسة وعشرين - فإذا أنا عام 1929 في قارب بخاري صغير أقصد من شمال جزيرة «مندناو» في سفرة قصيرة إلى جزيرة البركان في «مامباهو».
ها أنا منبطح على كيس جوز الهند، وإلى جانبي فتى هندي يده في يد خطيبته.
هو ذا الجو اغبر من بعد وكشر، ونفخ كأنه كبير في السراي يقابل طالب وظيفة.
هو ذا ربان القارب يحاول قدح الشرارة في عقله فيحك قفاه، وينزع من فمه سيكارا كأنه كرباج، ثم يبصق مطمئنا أنها ليست زوبعة بحرية (باغيو ) بل اضطراب عابر (شوبسكو).
وثار الاضطراب، وما عبر، بل استقر أمواجا وطوفانا، وكانت الستائر محكمة على جوانب القارب.
وكنت قد تعلمت من ربابنة السفن إبان الأعاصير أنهم يرفعون السجف كي يخففوا المقاومة المعترضة للرياح؛ فأمرت برفع تلك الستائر؛ لا لأني عليهم، بل لأن ربان القارب غبي، وراحت الفتاة في هلع تصيح، وكأن الأمر الذي أصدرته برفع الستائر والرعب الذي سيطر عليها خلقا لأوهامها أني منقذ بطل، فتعلقت بي تستغيث، ورحت أشجعها متكلفا البطولة، فلما نجحت جرأتي بتطمينها - وهي الخائفة - انتهى الأمر بجرأتي؛ فنجحت بتطميني أنا الأكثر خوفا.
هو ذا قاربنا يصل إلى الشاطئ - شاطئ «مامباهو» - فنربط على أقدام البركان الهادئ، ونقصد إلى المدينة ملتجئين في فندق جديد أياما ثلاثة.
وتشتد الأنواء والأعاصير، ونحن في الفندق.
Bilinmeyen sayfa