قال يوسف: «لقد شهدت الجيش الياباني، أطول واحد فيهم لا يقبلونه بوليس في بيروت، ولو أن في جيبه عشرين كارت توصية من عشرين نائب. أسلحتهم - عندنا في كفر زبد بواريد أحسن منها، فرقة المواصلات - كميونات محطمة.»
وهنا قاطعه بطرس قائلا: «إنما في جيشهم فرقة ليست عند الأميركان!» وقهقه الاثنان؛ ذلك لأنهما رأيا في فرقة المواصلات نحوا من ثلاثين حمارا، أعتقد أنها جاءت من كوريا.
ومن غريب ما حدثنا به الزائران أنهما عرفا بين الضباط عددا غفيرا من التجار اليابانيين الذين كنا نتعامل معهم، فهذا خادم في خمارة رجع بسيف طويل وبدلة كولونيل، وذاك بائع بوظة جاء يتهادى ببزة كابتن بحري، وكان يركب في بعض الكميونات أشخاص من الفلبين كانوا - ولا ريب - قبل الحرب يتجسسون لحساب اليابان.
وانصرف يوسف وبطرس قاصدين بيوت «أولاد العرب» لينشرا أخبار دخول الجيش الياباني.
في تلك الليلة أصغينا إلى الراديو فسمعنا أوامر أصدرها الجيش الياباني، منها أن على الأجانب المقيمين في مانيلا أن يحضروا في اليوم التالي فيسجلوا أسماءهم لدى الجيش في الفندق الفلاني.
نسيت أن أخبرك في أية حالة عصبية كنا. ما هو بالشيء الهين أن تكون أبيض الوجه غريبا في بلاد السمر والصفر - الشرق الأقصى - وكل أقاربك زوجة مريضة، وطفلة دون العاشرة، وكل مواطنيك عائلات أقل من العشرين، عدا كلهم مثلك قابعون في بيوتهم رعبا، وكل أموالك نحو من عشرين ريالا، وفي المدينة جيش ياباني فاتح سبقته أخبار همجيته، وتفظيعه بالنساء والأطفال، والفاتح الياباني بهيمة كاسرة تدعو لسحق الأجانب المتغطرسين الملاعين، وتتودد إلى شعوب الشرق الأقصى باضطهاد كل من ابيضت سحنته.
يسألني الكثيرون: أحقائق هذه التي أرويها؟! أجيب: بل هي حقائق ملطفة، بعضها لا أذيعه؛ لأني أنا - وقد مرت بي - أجلس اليوم وأتساءل: أحقيقة كانت؟ أم هي حلم مرعب؟
لذلك لن أخبرك كيف بتنا ذلك الليل هلعين لا ندري ما الذي يريده الجيش بنا، تسجيل أم تقتيل وتشريد.
لن أبوح لك بأنني اشتريت السم، وتعاهدت وزوجتي أن يأتي هلاكنا نحن الاثنين وطفلتنا على أيدينا، إن وضح من ظواهر الأمور أن اليابانيين سينزلون بنا ما أنزلوه في الأجانب في الصين.
ليال مريرة مخيفة قلقة مرت بنا خلال الحرب، من أشدها قلقا كانت تلك الليلة.
Bilinmeyen sayfa