Georg Büchner: Tam Oyunları
جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
Türler
كان يعيش بقلبه مع الجائعين من العمال والفلاحين، وينظر نظرة الشك والحذر إلى مناقشات الأساتذة والمثقفين، وكانت أهم وسيلة لديه للوصول إلى هؤلاء الفلاحين هي طبع المنشورات وتوزيعها عليهم.
ويكتب بيانه الثوري «رسول هسن» في مارس من عام 1834م، ويساعده أستاذ اللاهوت «فيدج» على طبعه في مطبعته السرية وتوزيعه بمعرفة أصدقائه، وإن كان قد عدل فيه كثيرا ليخفف من لهجته الحادة ضد الأغنياء والمترفين! وألف في الشهر نفسه جمعية سرية سماها «جمعية الحقوق الإنسانية»، مهمتها تنوير جماهير الشعب ورفع الحرمان المادي عنهم، ولكن أنصار الملكية وجماعات الطلبة ابتعدت عنها، بل كادت تقاطعها حين طلب بشنر أن يسمح لغير الجامعيين بالانضمام إليها، ولكنه أصر على طلبه، ودخل في جمعيته السرية الخباز والترزي وصبي الجزار إلى جانب الطالب والأستاذ الجامعي، وفي نفس العام ألف في مسقط رأسه «دارمشتات» فرعا آخر لهذه الجماعة من المتمردين كانوا يجتمعون سرا؛ ليتدارسوا شئونهم، وينظموا دعايتهم بين الفلاحين، ويتمرنوا على استخدام الأسلحة تمهيدا للثورة الشعبية الشاملة. ووزع منشور بشنر الثوري بعد أسابيع طويلة من العمل فيه، فما أكثر المتحذلقين الذين راحوا يعدلون في أسلوبه ويخففون من لهجته! وراح أعضاء الجماعة السرية يوزعونه في حذر على الفلاحين، ويلقونه تحت أبواب البيوت. واعتبرت السلطات حيازة المنشور خيانة عظمى، حتى بلغ الأمر بكل من وجد منشورا تحت بابه أن يسلمه في فزع إلى رجال البوليس؛ خوفا من التشريد والتعذيب والحبس الانفرادي. ويقبض على أحد أصدقاء بشنر (منيجوروده) ومعه عدد كبير من نسخ البيان الثوري الرائع، ويسرع بشنر في شجاعة نادرة بالسفر إلى فرانكفورت وأوفنباخ ليحذر زملاءه. وتفتش غرفته في غيابه، فلا يجد البوليس شيئا يذكر، اللهم إلا مجموعة من رسائل خطيبته إليه كتبتها بالفرنسية، فأخذوها معهم من باب الاحتياط! وينتهي الفصل الدراسي الصيفي فيعود إلى بيت أبويه، اللذين ينصحهما الناس بإبقاء المتمرد الشاب تحت رقابتهما في فصل الشتاء أيضا.
هكذا ضاع صدى البيان قبل أن يعلن صوته، وتحطم السيف الناري قبل أن يثبت وجوده. لقد كان الضمير الاجتماعي في ذلك العهد ما يزال يغط في نومه، فبقي هذا الاحتجاج النبيل صرخة في الفضاء! وكان لدى الفلاحين من الصبر على الجوع أكثر مما كان يتوقع، فلم يكن من المستطاع أن يعوا لغته المدعمة بالإحصاءات، وإن فهموها فلم يكن من المستطاع أن يستجيبوا لها بالسرعة التي خيلها له حماس الشباب.
ها هو ذا يقول لهم: «اذهبوا يوما إلى «دارمشتات»، وانظروا كيف ينعم السادة هناك بأموالكم، ثم احكوا لأطفالكم ونسائكم الجياع كيف يوزع خبزهم على بطون الأجانب. احكوا لهم عن الثياب الجميلة التي صبغوها بعرقهم، والأشرطة المزخرفة التي فصلوها بشقوق أيديهم المتعبة. احكوا لهم عن القصور الرائعة التي بنيت من عظام الشعب، ثم انزووا في أكواخكم المدخنة، وأحنوا ظهوركم في حقولكم الجرداء ليستطيع أطفالكم ذات يوم أن يذهبوا إلى هناك، حيث يجتمع ولي عهد مع ولية عهد لينجبا ولي عهد آخر، وينظروا من وراء النوافذ ليروا ما يأكله السادة، ويشموا رائحة المصابيح التي يشعلونها بلحم الفلاحين.» كلمات واضحة ما كان يمكن أن تلتبس في ذهن الفلاحين لو كتب لها أن تصل إليهم: «ستة ملايين «جولد» تدفعونها في الإمارة لحفنة من الناس وضعت حياتكم وأملاككم تحت رحمتهم، مثلكم مثل غيركم في بقية أجزاء ألمانيا الممزقة؛ لستم شيئا ولا تملكون شيئا، حقوقكم سلبت منكم. إن عليكم أن تعطوا ما يطلبه منكم مستغلوكم الذين لا يشبعون، وأن تحملوا ما يلقونه على أكتافكم. افتحوا أعينكم وعدوا حفنة المستغلين الذين لا يستمدون قوتهم إلا من الدم الذي يمتصونه من عروقكم، والأذرع التي تعيرونها لهم وأنتم مسلوبو الإرادة.»
وهكذا ضاعت دعوة «السلام للأكواخ، والحرب على القصور»، وصودر البيان قبل أن يصل إلى الأيدي وقمعت الحركة الثورية، واستيقظت روح الفنان في نفس بشنر الذي فر إلى بيت أبويه في شتاء 1834 / 1835م؛ هربا من القبض عليه، حيث كتب هناك في شهري يناير وفبراير مسرحيته الوحيدة التي أتمها قبل موته، وهي «موت دانتون»، وقد أثبت الباحثون أن خمسها على الأقل منقول بنصه من تواريخ الثورة الفرنسية «تييرومنييه»، وما كان قصده أن يمجد هذه الثورة، بل أن يعبر عن فزعه من جبرية التاريخ وعدمية الوجود وتمزق البطل، ثم هرب في فبراير سنة 1835م إلى شتراسبورج، قبل صدور الأمر بالقبض عليه بقليل، ويواصل دراسة الطب هناك، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة «عن الجهاز العظمي للأسماك»، ويتابع الكتابة كالمحموم؛ فيؤلف مسرحيته الشعبية «فويسك»، وملهاته الباكية «ليونس ولينا»، ورائعته القصصية «لنس» عن مأساة شاعر حركة العاصفة والاندفاع ياكوب ميخائيل رينهولد لنس (1751-1792م)، وقد بقيت كلها أعمالا ناقصة لم تتم. •••
يعد بشنر المناهض الأول لمثالية الشاعر الكبير شيلر. إن صورة البطل المنتصر الذي يصارع عالم المادة من أجل تمجيد الفكرة المثالية لا أثر لها عنده؛ فأبطاله يعانون مأساتهم، وينحدرون إلى هوة من العدم، تحركهم كالدمى الذبيحة أو كخيالات الظل يد خفية باطشة، ويسحقهم قدر قاس مجهول. و«موت دانتون» تتألف من مشاهد مسرحية تأثر فيها بشنر بفن شكسبير، وجعل موضوعها رجل الثورة الفرنسية المشهور دانتون، بطل حوادث القتل المشهورة في سبتمبر 1792م الذي ساقه زميله روبسبيير إلى المقصلة في 5 أبريل عام 1794م، وتدور أحداثها في يومين اثنين معبرة عن احتقار دانتون لرعب الثورة التي جاءت لتحقق الحرية والمساواة، فإذا بها تخضب يديها في بحر من الدماء. إن دانتون بطل الثورة لم يعد بطلا. إنه ينظر بغير اكتراث إلى روبسبيير وهو يدفع به إلى المقصلة، ويشمئز من مشهد الدماء المسفوكة والرءوس المتساقطة، ويسأل: «ما هذا الذي يكذب فينا، ويفجر، ويسرق، ويقتل؟!» لقد صار هاملت جديدا يخنق فكره إرادته: «ما نحن إلا دمى، تشد خيوطها قوى مجهولة، ما نحن إلا عدم. لسنا نحن أنفسنا، بل السيوف التي تتصارع بها الأشباح، لكن المرء لا يستطيع أن يرى الأيدي التي تحركها، كما في حكايات الأطفال». إنه لم يعد يعرف ما يريد، أو هو بالأحرى لم يعد يريد شيئا، اللهم إلا الراحة الحقيقية في القبر: «جولي، أحبك كالقبر، صدرك رمسي وقلبك تابوتي.» إن الثورة عنده هي فوضى الجماهير، وأبطالها هم السفاحون، ويمر الزمن فتصبح الخدعة تاريخا. والمسرحية كلها تعبر عن مأساة الثورة، كما تعبر عن خيبة أمل شاب حساس بعد إخفاق ثورته وثورة أمثاله في تحطيم الطغيان الإقطاعي المستبد في بلده.
وأما قصته «لنس» فتشبه أن تكون دراسة سيكلوجية للعبقري المجنون، الذي أصبحت نفسه مسرحا تصطرع عليه قوى النور والظلام، وتهوي على الدوام في فراغ موحش يحيط بها من كل جانب، وملل قاتل يسلبها كل معنى للحياة، وعالم يضطرب لا تميز فيه الحلم من الحقيقة. كان يقف الآن على حافة الهاوية، تدفعه لذة مجنونة إلى إعادة التطلع إليها مرة بعد مرة، ومعاناة هذا العذاب من جديد. إن العالم يضيق الخناق عليه حتى يكاد أن يختنق ويصرخ كالطفل المريض يريد أن يدفع بيديه جدران الأرض والسماء التي تكاد تسحقه، ويبعد عنه أشباح القلق التي تكتم أنفاسه.
ومقياس الصدق الفني عند «بشنر» ليس هو الفكرة المثالية المجردة، بل العاطفة والشعور. و«لنس» يعبر عن رأي بشنر الأدبي خير تعبير: «إنني أطلب من كل شيء الحياة وإمكانية الوجود، عندئذ أرضى عنها، ليس لنا أن نسأل بعد ذلك إن كان جميلا أو قبيحا. إن الشعور هو المقياس الوحيد في مسائل الفن، غير أن هذا الشعور بالحياة يقابلنا نادرا. إننا نجده عند شكسبير، ونسمعه يتردد في الأغاني الشعبية، كما نلمسه في بعض الأحيان عند جوته. وكل ما عدا ذلك نستطيع أن نلقي به في النار. إن هؤلاء الناس يعجزون عن تصوير حظيرة كلاب. أرادوا أن يصوروا شخصيات مثالية، ولكن كل ما أراه منها أمامي ليس إلا دمى خشبية. هذه المثالية هي أخس احتقار للطبيعة الإنسانية.» إن بشنر يطالب الفنان بأن يغوص في كيان كل موجود، أن يترك الشخصية تخرج بنفسها إلى الحياة، فلا يحاول أن يحشرها في قالب أو ينسخها على صورة نموذج محدد من قبل، لا يختلج فيه نبض، ولا يتردد نفس. و«ليونس ولينا» هي ملهاته الوحيدة التي يغلفها جو صاف من المرح الحزين والسخرية المريرة. إنها تعبر عن انتصار الحب على الملل القاتل والخوف المتسلط من الموت والفناء.
وقد كتبت «ليونس ولينا» على أثر مسابقة أعلن عنها الناشر «كوتا» في الثالث من شهر فبراير عام 1836م ل «أفضل ملهاة ألمانية»، وحدد لها موعدا ينتهي في اليوم الأول من شهر يوليو من نفسه العام. كان نجاح مسرحيته «موت دانتون» قد منحه الشجاعة، كما أعانته ترجماته لبعض مسرحيات فيكتور هيجو (لوكرتسيا - بورجا - وماريا تودور) على فهم الكثير من أسرار المسرح، أجمل الفنون وأصعبها جميعا. وانتهى من كتابة ملهاته في أسابيع قليلة من فصل الربيع، غير أنه تأخر في إرسالها إلى الناشر، فوصلت بعد انتهاء موعد المسابقة بيومين، وأعيدت له المخطوطة دون أن تفتح!
كتب بشنر ملهاته وفي خياله نموذج للملهاة الرومانتيكية، هو مسرحية «فون برنتانو» «ليونس دي ليون»، التي كان قد اشترك بها في نفس المسابقة منذ سنوات عديدة، وسقطت في المسابقة. ومن يدري؟ لعله لم يكن أيضا يتوقع النجاح بقدر ما كان يريد أن يتحدى القدر!
Bilinmeyen sayfa