Mekke Fetihleri
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
Yayıncı
دار إحياء التراث العربي
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
1418هـ- 1998م
Yayın Yeri
لبنان
فيعرف المحقق قطعا أنها مصروفة إلى غير الوجه الذي يعطيك التشبيه والتمثيل وإن الحقيقة لا تقبل ذلك أصلا ولكن تتفاضل العلماء السالمة عقائدهم من التجسيم فإن المشبهة والمجسمة قد يطلق عليهم علماء من حيث علمهم بأمور غير هذا فتفاضل العلماء في هذا الصرف عن هذا الوجه الذي لا يليق بالحق تعالى فطائفة لم تشبه ولم تجسم وصرفت علم ذلك الذي ورد في كلام الله ورسله إلى الله تعالى ولم تدخل لها قدم في باب التأويل وقنعت بمجرد الإيمان بما يعلمه الله في هذه الألفاظ والحروف من غير تأويل ولا صرف إلى وجه من وجوه التنزيه بل قالت لا أدري جملة واحدة ولكني أحيل إبقاءه على وجه التشبيه لقوله تعالى ' ليس كمثله شيء ' لا لما يعطيه النظر العقلي وعلى هذا فضلاء المحدثين من أهل الظاهر السالمة عقائدهم من التشبيه والتعهطيل وطائفة أخرى من المنزهة عدلت بهذه الكلمات عن الوجه الذي لا يليق بالله تعالى في النظر العقلي عدلت إلى وجه ما من وجوه التنزيه على التعيين مما يجوز في النظر العقلي أن يتصف به الحق تعالى بل هو متصف به ولابد وما بقي النظر إلا في أن هذه الكلمة هل المراد بها ذلك الوجه أم لا ولا يقدح ذلك التأويل في ألوهته وربما عدلوا بها إلى وجهين وثلاثة وأكثر على حسب ما تعطيه الكلمة في وضع اللسان ولكن من الوجوه المنزهة لا غير فإذا لم يعرفوا من ذلك الخبر أو الآية عند التأويل في اللسان إلا وجها واحدا قصروا الخبر على ذلك الوجه النزيه وقالوا هذا هو ليس إلا في علمنا وفهمنا وإذا وجدوا له مصرفين فصاعدا صرفوا الخبر أو الآية إلى تلك المصارف وقالت طائفة من هؤلاء يحتمل أن يريد كذا ويحتمل أن يريد كذا وتعدد وجوه التنزيه ثم تقول والله أعلم أي ذلك أراد وطائفة أخرى تقوي عندها وجه ما من تلك الوجوه النزيهة بقرينة ما قطعت لتلك القرينة بذلك الوجه على الخبر وقصرته عليه ولم تعرج على باقي الوجوه في ذلك الخبر وإن كانت كلها تقتضي التنزيه وطائفة من المنزهة أيضا وهي العالية وهم من أصحابنا فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها إذ كان المتقدمون من الطوائف المتقدمة المتأولة أهل فكر ونظر وبحث فقامت هذه الطائفة المباركة الموفقة والكل موفقون بحمد الله وقالت حصل في نفوسنا تعظيم الحق جل جلاله بحيث لا نقدر أن نصل إلى معرفة ما جاءنا من عنده بدقيق فكر ونظر فاشبهت في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم حيث لم ينظروا ولا تأولوا ولا صرفوا بل قالوا ما فهمنا فقال أصحابنا بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة هؤلاء بأن قالوا لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهئ لقبول ما يرد علينا منه تعالى حتى يكون الحق تعالى يتلوى تعليمنا على الكشف والتحقيق لما سمعته يقول ' واتقوا الله ' ' ويعلمكم الله ' ويقول ' إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ' ' وقل ربي زدني علما ' ' وعلمناه من لدنا علما ' . فعندما توجهت قلوبهم وهممهم إلى الله تعالى ولجأت إليه وألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث والنظر ونتائج العقول كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة فعندما كان منهم هذا الاستعداد تجلى الحق لهم معلما فاطلعتهم تلك المشاهدة على معاني هذه الأخبار والكلمات دفعة واحدة وهذا ضرب من ضروب المكاشفة فإنهم إذا عاينوا بعيون القلوب من نزهته العلماء المتقدم ذكرهم بالإدراك الفكري لم يصح لهم عند هذا الكشف والمعاينة أن يجهلوا خبرا من هذه الأخبار التي توهم ولا أن يبقوا ذلك الخبر منسحبا على ما فيه من الاحتمالات النزيهة من غير تعيين بل يعرفون الكلمة والمعنى النزيه الذي سيقت له فيقصروها على ما أريدت له وإن جاء في خبر آخر ذلك اللفظ عينه فله وجه آخر من تلك الوجوه المقدسة معين عند هذا المشاهد هذا حال طائفة منا وطائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التحلي ولكن لهم الإلقاء والإلهام واللقاء والكتابة وهم معصومون فيما يلقى إليهم بعلامة عندهم لا يعرفها سواهم فيخبرون بما خوطبوا به وما ألهموا به وما ألقي إليهم أو كتب فقد تقرر عند جميع المحققين الذين سلموا الخبر لقائله ولم ينظروا ولا شبهوا ولا عطلوا والمحققين الذين بحثوا واجتهدوا ونظروا على طبقاتهم أيضا والمحققين الذين كوشفوا وعاينوا والمحققين الذين خوطبوا وألهموا أن الحق تعالى لا تدخل عليه تلك الأدوات المقيدة بالتحديد والتشبيه على حد ما نعقله في المحدثات ولكن تدخل عليه بما فيه من معنى التنزيه والتقديس على طبقات العلماء والمحققين في ذلك لما فيه وتقتضيه ذاته من التنزيه وإذا تقرر هذا فقد تبين أنها أدوات التوصيل إلى إفهام المخاطبين وكل عالم على حسب فهمه فيها وقوة نفوذه وبصيرته فعقيدة التكليف هينة الخطب فطر العالم عليها ولو بقيت المشبهة مع ما فطرت عليه ما كفرت ولا جسمت وإن كان ما أرادوا التجسيم وإنما قصدوا إثبات الوجود لكن لقصور أفهامهم ما ثبت لهم إلا بهذا التخيل فلهم النجاة وإذ وقد ثبت هذا عند المحققين مع تفاضل رتبهم في درج التحقيق فلنقل إن الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيد وجود الحق مع وجود العالم بقبلية ولا معية ولا بعدية زمانية فإن التقدم الزماني والمكاني في حق الله ترمي به الحقائق في وجه القائل به على التحديد اللهم إلا أن قال به من باب التوصيل كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ونطق به الكتاب إذ ليس كل أحد يقوى على كشف هذه الحقائق فلم يبق لنا أن نقول إلا أن الحق تعالى موجود بذاته لذاته مطلق الوجود غير مقيد بغيره ولا معلول عن شيء ولا علة لشيء بل هو خالق المعلولات والعلل والملك القدوس الذي لم يزل وإن العالم موجود بالله تعالى لا بنفسه ولا لنفسه مقيد الوجود بوجود الحق في ذاته فلا يصح وجود العالم البتة إلا بوجود الحق وإذا انتفى الزمان عن وجود الحق وعن وجود مبدأ العالم فقد وجد العالم في غير زمان فلا نقول من جهة ما هو الأمر عليه إن الله موجود قبل العالم إذ قد ثبت أن القبل من صيغ الزمان ولا زمان ولا إن العالم موجود بعد وجود الحق إذ لا بعدية ولا مع وجود الحق فإن الحق هو الذي أوجده وهو فاعله ومخترعه ولم يكن شيأ ولكن كما قلنا الحق موجود بذاته والعالم موجود به فإن سأل سائل ذو وهم متى كان وجود العالم من وجود الحق قلنا متى سؤال زماني والزمان من عالم النسب وهو مخلوق لله تعالى لأن عالم النسب له خلق التقدير لا خلق الإيجاد فهذا سؤال باطل فانظر كيف تسأل فإياك أن تحجبك أدوات التوصيل عن تحقيق هذه المعاني في نفسك وتحصيلها فلم يبق إلا وجود صرف خالص لا عن عدم وهو وجود الحق تعالى ووجود عن عدم عين الموجود نفسه وهو وجود العالم ولا بينية بين الوجودين ولا امتداد إلا التوهم المقدر الذي يحيله العلم ولا يبقى منه شيأ ولكن وجود مطلق ومقيد وجود فاعل ووجود منفعل هكذا أعطت الحقائق والسلام مسئلة سألني وارد الوقت عن اطلاق الاختراع على الحق تعالى فقلت له علم الحق بنفسه عين علمه بالعالم إذ لم يزل العالم مشهودا له تعالى وإن اتصف بالعدم ولم يكن العالم مشهودا لنفسه إذ لم يكن موجودا وهذا بحر هلك فيه الناظرون الذين عدموا الكشف وبنسبة لم تزل موجودة فعلمه لم يزل موجود أو علمه بنفسه علمه بالعالم فعلمه بالعالم لم يزل موجودا فعلم العالم في حال عدمه وأوجده على صورته في علمه وسيأتي بيان هذا في آخر الكتاب وهو سر القدر الذي خفي عن أكثر المحققين وعلى هذا لا يصح في العالم الاختراع ولكن يطلق عليه الاختراع بوجه ما لا من جهة ما تعطيه حقيقة الاختراع فإن ذلك يؤدي إلى نقص في الجناب الإلهي فالاختراع لا يصح إلا في حق العبد وذلك أن المخترع على الحقيقة لا يكون مخترعا إلا حتى يخترع مثال ما يريد إبرازه في الوجود في نفسه أولا ثم بعد ذلك تبرزه القوة العملية إلى الوجود الحسي على شكل ما يعلم له مثل ومتى لم يخترع الشئ في نفسه أولا وإلا فليس بمخترع حقيقة فإنك إذا قدرت أن شخصا علمك ترتيب شكل ما ظهر في الوجود له مثل فعلمته ثم أبرزته أنت للوجود كما علمته فلست أنت في نفس الأمر وعند نفسك بمخترع له وإنما المخترع له من اخترع مثاله في نفسه ثم علمكه وإن نسب الناس الاختراع لك فيه من حيث أنهم لم يشاهدوا ذلك الشيء من غيرك فارجع أنت إلى ما تعرفه من نفسك ولا تلتفت إلى من لا يعلم ذلك منك فإن الحق سبحانه ما دبر العالم تدبير من يحصل ما ليس عنده ولا فكر فيه ولا يجوز عليه ذلك ولا اخترع في نفسه شيأ لم يكن عليه ولا قال في نفسه هل نعمله كذا وكذا هذا كله ما لا يجوز عليه فإن المخترع للشيء يأخذ أجزاء موجودة متفرقة في الموجودات فيؤلفها في ذهنه وهمه تأليفا لم يسبق إليه في علمه وإن سبق فلا يبالي فإنه في ذلك بمنزلة الأول الذي لم يسبقه أحد إليه كما تفعله الشعراء والكتاب الفصحاء في اختراع المعاني المبتكرة . وجده على صورته في علمه وسيأتي بيان هذا في آخر الكتاب وهو سر القدر الذي خفي عن أكثر المحققين وعلى هذا لا يصح في العالم الاختراع ولكن يطلق عليه الاختراع بوجه ما لا من جهة ما تعطيه حقيقة الاختراع فإن ذلك يؤدي إلى نقص في الجناب الإلهي فالاختراع لا يصح إلا في حق العبد وذلك أن المخترع على الحقيقة لا يكون مخترعا إلا حتى يخترع مثال ما يريد إبرازه في الوجود في نفسه أولا ثم بعد ذلك تبرزه القوة العملية إلى الوجود الحسي على شكل ما يعلم له مثل ومتى لم يخترع الشئ في نفسه أولا وإلا فليس بمخترع حقيقة فإنك إذا قدرت أن شخصا علمك ترتيب شكل ما ظهر في الوجود له مثل فعلمته ثم أبرزته أنت للوجود كما علمته فلست أنت في نفس الأمر وعند نفسك بمخترع له وإنما المخترع له من اخترع مثاله في نفسه ثم علمكه وإن نسب الناس الاختراع لك فيه من حيث أنهم لم يشاهدوا ذلك الشيء من غيرك فارجع أنت إلى ما تعرفه من نفسك ولا تلتفت إلى من لا يعلم ذلك منك فإن الحق سبحانه ما دبر العالم تدبير من يحصل ما ليس عنده ولا فكر فيه ولا يجوز عليه ذلك ولا اخترع في نفسه شيأ لم يكن عليه ولا قال في نفسه هل نعمله كذا وكذا هذا كله ما لا يجوز عليه فإن المخترع للشيء يأخذ أجزاء موجودة متفرقة في الموجودات فيؤلفها في ذهنه وهمه تأليفا لم يسبق إليه في علمه وإن سبق فلا يبالي فإنه في ذلك بمنزلة الأول الذي لم يسبقه أحد إليه كما تفعله الشعراء والكتاب الفصحاء في اختراع المعاني المبتكرة . فثم اختراع قد سبق إليه فيتخيل السامع أنه سرقه فلا ينبغي للمخترع أن ينظر إلى أحد إلا إلى ما حدث عنده خاصة إن أراد أن يلتذ ويستمتع بلذة الاختراع ومهما نظر المخترع لأمر ما إلى من سبقه فيه بعد ما اخترعه ربما هلك وتفطرت كبده وأكثر العلماء بالاختراع البلغاء والمهندسون ومن أصحاب الصنائع النجارون والبناؤون فهؤلاء أكثر الناس اختراعا وأذكاهم فطرة وأشدهم تصرفا لعقولهم فقد صحت حقيقة الاختراع لمن استخرج بالفكر ما لم يكن يعلم قبل ذلك ولا علمه غيره بالقوة أو بالقوة والفعل إن كان من العلوم التي غايتها العمل والباري سبحانه لم يزل عالما بالعالم أزلا ولم يكن على حالة لم يكن فيها بالعالم غير عالم فما اخترع في نفسه شيأ لم يكن يعلمه فإذ وقد ثبت عند العلماء بالله قدم علمه فقد ثبت كونه مخترعا لنا بالفعل لا إنه اخترع مثالنا في نفسه الذي هو صورة علمه بنا إذ كان وجودنا على حد ما كنا في علمه ولو لم يكن كذلك لخرجنا إلى الوجود على حد ما لم يعلمه وما لا يعلمه لا يريده وما لا يريده ولا يعلمه لا يوجده فنكون إذن موجودين بأنفسنا أو بالاتفاق وإذا كان هذا فلا يصح وجودنا عن عدم وقد دل البرهان على وجودنا عن عدم وعلى أنه علمنا وأراد وجودنا وأوجدنا على الصورة الثابتة في علمه بنا ونحن معدومون في أعياننا فلا اختراع في المثال فلم يبق إلا الاختراع في الفعل وهو صحيح لعدم المثال الموجود في العين فتحقق ما ذكرناه وقل بعد ذلك ما شئت فإن شئت وصفته بالاختراع وعدم المثال وإن شئت نفيت هذا عنه نفيته ولكن بعد وقوفك على ما أعلمتك به
الفصل الثالث في العلم والعالم والمعلوم من الباب الثاني
العلم والمعلوم والعالم . . . ثلاثة حكمهمو واحد
وإن تشا أحكامهم مثلهم . . . ثلاثة أثبتها الشاهد
Sayfa 137