Fusul wa Masa'il Tata'allaq bil-Masajid
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
Yayıncı
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤١٩هـ
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
[المقدمة]
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الحمد لله الملك المحمود، الرحيم المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن ربنا سبحانه لما كلّف عباده وأمرهم ونهاهم شرع لهم الاجتماع لأداء بعض العبادات، وخصَّ بعض الأماكن والبقاع بفضيلة وشرف تميزت بها، وفاقت سواها في مضاعفة الأجر والثواب فيها.
وقد خص الله هذه الأمة المحمدية بأن شرع لهم بناء المساجد، والسعي في عمارتها، والمسابقة إليها، وتخصيصها بأنواع من العبادة لا تصح في غيرها. ولأهمية المساجد في هذه الشريعة أحببت أن أكتب حول ما يتعلق بها هذه الصفحات، مع أن العلماء قديمًا وحديثًا قد أولوها عناية كبيرة وتوسعوا في خصائصها، ولكن من باب المساهمة ورغبة في الفائدة أكتب هذه الفصول -والله الموفق-.
1 / 3
[الفصل الأول فضل المساجد وشرفها]
الفصل الأول
في فضل المساجد وشرفها قد عُلم أن الكثير من العبادات تتعين في المساجد، أو يزيد أجرها ويضاعف العمل فيها، فلذلك ورد ما يدل على فضلها مطلقًا، فعن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق» [رواه الحاكم، وسكت عنه الذهبي، ورواه الطبراني. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه عطاء بن السائب وهو ثقة، ولكنه اختلط في آخر عمره، وبقية رجاله ثقات] (١) . وعن أنس مرفوعًا: «خير البقاع بيوت الله» . . .) الحديث [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبيد بن القاسم وهو ضعيف] (٢) . وعن واثلة قال: قال رسول الله ﷺ: «شر المجالس الأسواق والطرق، وخير المجالس المساجد، فإن لم تجلس في المسجد فالزم بيتك» [رواه الطبرانى وفيه: " بكار بن تيميم " مجهول] (٣) .
_________
(١) انظره في المستدرك ٢ / ٧، وفي مجمع الزوائد ٢ / ٦، وعطاء بن السائب مترجم في الميزان، وذكر أنه اختلط وكان من علماء التابعين.
(٢) هكذا في مجمع الزوائد ٢ / ٦، وانظر ترجمة عبيد القاسم في الميزان، وقد رجح أنه ضعيف ليس بشيء، نقله عن البخاري وغيره.
(٣) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٦، ونقل قول الذهبي في "بكار" مجهول، وهو في الميزان في حرف الباء كالمعتاد. "ذكر أن له نسخة باطلة، وهكذا ذكر صاحب اللسان".
1 / 4
وعن جبير بن مطعم: «أن رجلًا قال: يا رسول الله، أي البلدان أحب إلى الله، وأي البلدان أبغض إلى الله، قال: لا أدري حتى أسأل جبريل ﷺ، فأتاه فأخبره جبريل: أن أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق» [رواية البزّار، وفيه: عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طال، وهو مختلف في الاحتجاج به] (١) . وقال ابن عباس ﵄: «المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض» [رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمى: ورجاله موثوقون]) (٢) . وقد دلَّ على معناه ما ورد في القرآن من إضافة المساجد إلى الله تعالى، وهي إضافة تشريف وفضل، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة: ١١٤] (٣) مع أن جميع البقاع وما فيها ملك لله تعالى، ولكن المساجد لها ميزة وشرف، حيث تختص بكثير من العبادات والطاعات والقربات، وكما قال
_________
(١) هكذا في مجمع الزوائد ٢ / ٦ وذكره في كشف الأستار برقم ١٢٥١ وقال البزار: لا نعلمه عن جبير إلا بهذا الإسناد، وقد رواه الحاكم ٢ / ٧، وقال صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بذكر ابن عقيل وهو مترجم في الميزان برقم ٤٥٣٦، ووصف بأنه سيئ الحفظ صدوق.
(٢) ذكره في مجمع الزوائد ٢ / ٧.
(٣) سورة البقرة الآية ١١٤.
1 / 5
تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] (١) . والصحيح أن المراد المساجد المعمورة للذكر والطاعة، والتي هي من خصائص البلاد الإسلامية، فلذلك تؤدى فيها الصلاة جماعة وفرادى، ويدعو فيها المسلم ربه وحده، ولا يدعو معه أحدًا، فإضافتها إلى الله تعالى تقتضي شرفها وتميّزها على بقية البقاع، وذلك ما يوجب احترامها، واعتراف المسلمين بفضلها، فهي من خصائص المسلمين، حيث إن لكل ملة ديانة ومتعبد يجتمع فيه أهل تلك الديانة لأداء عباداتهم والتي يدينون بها، مثل الصوامع والديارات، والكنائس والبيع، مع أنها في زمانها أفضل من غيرها، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: ٤٠] (٢) . ويراد بالصلوات: موضع العبادات، ولكن بعد نسخ تلك الديانات تعين منع عمارة تلك المعابد، لما فيها من مخالفة شعائر الإسلام، ووجب على المسلمين إظهار هذه المساجد وإشهارها، فأصبحت معالم على كل بلاد يسكنها المسلمون، حيث تتميز بهذه المساجد والتي
_________
(١) سورة الجن الآية ١٨.
(٢) سورة الحج الآية ٤٠.
1 / 6
مدحها الله بقوله: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] (١) فترفع مناراتها فوق المساكن والعمارات، وتعرف بمحاربيها الموجهة إلى القبلة الخاصة بالمسلمين.
_________
(١) سورة النور الآية ٣٦.
1 / 7
[الفصل الثاني فضل بناء المساجد وعمارتها]
الفصل الثاني
في فضل بناء المساجد وعمارتها بعد أن عرف فضل هذه المساجد وشرفها، فقد ورد ما يدل على فضل بنائها وعمارتها الحسية والمعنوية، فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عثمان ﵁ أنه قال لما بني مسجد رسول الله ﷺ: إنكم أكثرتم علي وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة» وفي رواية: «بنى الله له في الجنة مثله» (١) وعن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من بنى مسجدا صغيرا أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه الترمذي] (٢) وعن عمرو بن عبسة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «من بنى لله مسجدا ليذكر الله فيه بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه النسائي] (٣) .
وعن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة»
_________
(١) هو في صحيح البخاري كما في الفتح برقم ٤٥٠، وقد توسع في شرحه وذكر له شواهد كثيرة، وكذا رواه مسلم برقم ٥٣٣ في المساجد، والترمذي رقم ٣١٨ وغيرهم.
(٢) هو في سننه برقم ٣١٩ وهو عنده بصيغة التمريض، لكنه ذكر في الباب عن أبي بكر وعمرو وعلي حتى عد ثلاثة عشر صحابيا، ورواه أبو يع لى في مسنده برقم ٤٠١٨ وضعفه المعلق ثم رواه برقم ٤٢٩٨ بإسناد آخر.
(٣) هو في سننه المجتبي ٢ / ٣١ وهو حسن بشواهده.
1 / 8
[رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه] (١) . وعن علي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ قال: «من بنى لله مسجدًا من ماله بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه ابن ماجه] (٢) . وله عن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «من بنى مسجدً الله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتًا في الجنة» [وإسناده صحيح] (٣) . وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتًا أوسع منه في الجنة» [رواه أحمد وفيه الحجاج بن أرطاة متكلم فيه] (٤) . وعن واثلة بن الأسقع ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من بنى مسجدًا فصلي فيه بنى الله ﷿ له في الجنة أفضل منه» [رواه أحمد والطبراني، وفيه الحسن بن يحيى ضعفه الدارقطني ووثقه أبو حاتم] (٥) وعن ابن عباس عن
_________
(١) هم في سنن ابن ماجه برقم ٧٣٥ عن عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي عن عمر وهو جده لأمه، ولم يسمع منهو فلعله سمعه من أحد أخواله أبناء عمر ﵁، وكذا رواه ابن حبان كما في الإحسان برقم ١٦٠٦، وقد رواه الحاكم في المستدرك، وعنه البيهيقي في السنن الكبرى.
(٢) في سننه برقم ٧٣٧ من طريق الوليد بن مسلم، وهو مدلس عن ابن لهيعة وفيه ضعف.
(٣) كما في سننه برقم ٧٣٨ وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة ١ / ٩٤.
(٤) هو في المسند ٢ / ٢٢١ برقم ٧٠٥٣، وصحح إسناده أحمد شاكر برقم ٧٠٥٦ ونفل كلام الهيثمي.
(٥) هو في المسند ٣ / ٤٩٠ برقم ١٥٩٨٥ وذكره في مجمع الزوائد ٢ / ٧، وانظر ترجمة الحسن في الميز أن برقم / ١٩٥٨.
1 / 9
النبي ﷺ قال: «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه أحمد والبزار وفيه: جابر الجعفي وفيه ضعف] (١) . وعن أبي ذر عن النبي ﷺ قال: «من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه البزّار والطبراني في الصغير، والبيهقي وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان من طريق الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات] (٢) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه البزّار والطبراني، وفيه: الحكم ابن ظهير، وهو متروك] (٣) .
_________
(١) هو في المسند ١ / ٢٤١، وكشف الأستار برقم ٤٠٢، قال البزار: " لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وجابر تكلم فيه جماعة ولا نعلم أحد قدوة ترك حديثه " اهـ. وضعف إسناده أحمد شاكر في المسند برقم ٢١٥٧ لضعف جابر، وذكره في الميزان برقم ١٤٢٥ ورجح ضعفه وتشيعه. وقد رواه أبو يعلى برقم ٥٢٣٤ من طريق شريك عن سماك عن عكرمة، وضعفه المحقق ولعله شريك، ولكنها متابعة قوية.
(٢) ذكره في كشف الأستار برقم ٤٠١ من طريقين عن الأعمش، وفي الإحسان ١٦٠٨ وسنن البيهقي ٢ / ٤٣٧ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٧ قال: ورجال ثقات.
(٣) هو في كشف الأستار برقم ٤٠٣، قال البزْار: " لا نعلمه إلا عن ابن عمر بهذا الإسناد و"الحكم" لين الحديث وقد روى عنه جماعة" اهـ. وذكره الهيثمي في المجمع ٢ / ٧ قال: وفيه الحكم بن ظهير وهو متروك".
1 / 10
وعن أبيِ هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى بيتَا يعبد الله فيه من مال حلال بنى الله له بيتًا في الجنة من در وياقوت» [رواه الطبراني في الأوسط والبزّار، وفيه: سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف، (١) .
وعن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتَاَ في الجنة» قال: وهذه المساجد التي في طريق مكة؟ قال: (وتلك) [رواه البزّار والطبراني في الأوسط وفيه: كثير بن عبد الرحمن ضعفه العقيلي، وذكره ابن حبان في الثقات] (٢) . وعن عائشة عن النبيِ ﷺ قال: «من بنى لله مسجَدَا لا يريد به رياءً ولا سمعةَ بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه المثنى بن الصباح ضعف القطان، ووثقه ابن معين في رواية، وضعف في أخرى] (٣) . وعن أبي بكر الصديق ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى مسجدًا بنى الله له بيَتَا في
_________
(١) هو في كشف الأستار برقم ٤٠٥، قال البزار: "سليمان لا يشارك في حديثه، وأحاديثه تدل على ضعفه إن شاء الله، وهو ليس بالقوي" اهـ. وذكره في مجمع الزوائد ٢ / ٨ قال: وفيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف.
(٢) هو في كشف الأستار برقم ٤٠٤. قال في مجمع الزوائد: "رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه: كثير بن عبد الرحمن، ضعفه العقيلي وذكره ابن حبان في الثقات" اهـ.
(٣) هكذا ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٨ وما في إسناده.
1 / 11
الجنة» [رواه الطبراني في الأوسط وفيه: وهب بن حفص وهو ضعيف] (١) وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه الطبراني في الأوسط وفيه المثنى بن الصباح، ضعّفه القطان، ووثقه ابن معين في إحدى الروايات، (٢) . وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجدًا يراه الله بنى الله له بيتًا في الجنة، فإن مات في يومه غفر له، ومن حفر قبرًا يراه الله بنى الله له بيتًا في الجنة، وإن مات في يومه غفر له» [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: عمران بن عبيد الله، قال البخاري: فيه نظر، وضعفه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات] (٣) . وعن أبيِ أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجدَا بنى الله له في الجنة أوسع منه» [رواه الطبراني في الكبير، وفيه: علي بن يزيد وهو ضعيف] (٤) . وعن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجَدَا بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه
_________
(١) كذا في مجمع الزوائًد ٢ / ٨، وقد أشار إليه الترمذي في سننه.
(٢) هكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٨، وانظر ترجمة المثنى في الميزان برقم ٧٠٦١، وقد رجح ضعفه.
(٣) هكذا ذكره الهيثمي في المجمع ٢ / ٨، وعمران ذكره في الميزان برقم ٦٢٩٢، وسمى أباه عبد الله.
(٤) كذا في مجمع الزوائًد ٢ / ٨، وعلي بن يزيد لعله الألهاني أو الصدائي ذكرهما الذهبي في الميزان ٥٩٦٦.
1 / 12
الطبراني، ورواه أحمد بلفظ: «فإن الله يبني له بيتًا أوسع منه في الجنة» ورجاله موثقون، (١) وعن نبيط بن شريط قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة» [رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وشيخ الطبراني فيه كذبه صاحب الميزان] (٢) .
وعن أبي قرصافة أنه سمع النبي ﷺ يقول: «(ابنو المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة) قال رجل: يا رسول الله وهذه المساجد والتي تبنى في الطريق؟ قال: (نعم وإخراج القمامة منها مهور الحور العين)» [رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده مجاهيل] (٣) .
هكذا أورد هذه الأحاديث أو أكثرها المنذري في
_________
(١) هو في المسند برقم ٢٧٥٩٩ عنها في ٦ / ٤٦١. وذكره في المجمع ٢ / ٨ وعزاه هنا للطبراني ووثق رجاله.
(٢) هكذا في مجمع الزوائد، وهو في المعجم الصغير: حدثنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي حدثنا أبي عن أبه إبراهيم عن أبيه نبيط قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: فذكر أحاديث منها هذا الحديث ثم قال الطبراني: لا تروى هذه الأحاديث عن نبيط إلا بهذا الإسناد، تفرد بها ولده عنه] اهـ. المعجم ١ / ٣٠ وذكره في الميزان برقم ٢٩٦، وقال "لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب" اهـ.
(٣) هكذا قال في مجمع الزوائد ٢ / ٩، وهو في المعجم الكبير للطبراني ٣ / ١٩ برقم ٢٥٢١، قال في التعليق: ورواه الضياء في المختارة، وهو حديث ضعيف.
1 / 13
الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد، ومجموعها يدل على أن الحديث متواتر حيث رواه ثمانية عشر من الصحابة، وبعضهم روى حديثين كابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة ﵃، وما في بعضها من الضعف ينجبر برواية الآخرين، فيدل على القطع بأن النبي ﷺ رغب في بناء المساجد، وقد اشترط في أكثرها أن يكون البناء لله تعالى، أي يريد به وجه الله والدار الآخرة لا يريد به رياء ولا سمعة، ولا يتمدح به، ولا يمن به على المصلين، وإنما يقصد الأجر من الله تعالى، وذلك شرط ثقيل، وعلامة ذلك أن يخفى نفسه، أو لا يحب ذكر فعله على وجه الإعجاب بعمله، وقد جعل ثوابه على ذلك أن يبنى الله له بيتًا في الجنة، وهذا أجر عظيم، فقد ورد أن «موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها» (١) . وقوله في بعض الأحاديث: «ولو كمفحص قطاة» أي: الموضع الذي تصلحه من الأرض لبيضها، ولكنه أراد المبالغة في الصغر، حتى لا يحتقر أحد ما بناه من المساجد ولو في غاية الصغر، وقد يدخل في ذلك من ساهم في بنائه ولو باللبن أو الطين، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرة
_________
(١) كما البخاري رقم ٢٨٩٢ عن سهل بن سعد، وله عن أنس برقم ٢٧٩٦ نحوه.
1 / 14
العاملين ونحو ذلك من العمل الذي ينسب إلى صاحبه أنه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، احتسابًا وطلبَا للأجر المرتب على ذلك، وهو أن يبنى الله له مثله أو أوسع منه في الجنة، حيث إن البيت في الجنة لا يقاس بما في الدنيا، ولا نسبة بينهما، وذلك مما يدفع من وسع الله عليه إلى المسارعة في الخيرات، واغتنام الفرصة في هذه الحياة، فيقدم لآخرته ما يجد ثوابه مضاعفًا عند ربه أضعافًا كثيرة.
ثم إنه يستحب عدم الزخرفة والتباهي في المساجد، فقد ذكر البخاري عن أنس قال: «يتباهون بها ثم لا يعمرونها» (١) [وهذا الحديث رواه أحمد والدارمي وابن ماجه وغيرهم بلفظ: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» وفي رواية: «يأت على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ولا يعمرونها إلا قليلًا» (٢) . وروى ابن ماجه عن عمر ﵁ مرفوعًا: «ما ساء قوم قط إلا
_________
(١) كما في فتع الباري ١ / ٥٣٩.
(٢) اللفظ الأول رواه أحمد ٣ / ٢٣٠، ١٣٤، ١٤٥ رقم ١٢٣٦٤، ١٢٤٥٧، ١٢٥٢١ وغيرها. وكذا رواه أبو داود برقم ٤٤٩، والنسائي ٢ / ٣٢، وابن ماجه برقم ٧٣٩ والدارمي ١ / ٣٢٧، وغيرهم. واللفظ الثاني رواه خزيمة برقم ١٣٢١، وأبو يعلى برقم ٢٨١٧، وحسن إسناده المحقق وصحح اللفظ الأول.
1 / 15
زخرفوا مساجدهم» (١) . وذكر البخاري عن ابن عباس قال: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» (٢) . ولابن حبان وأبى داود عن ابن عباس مرفوعًا: «ما أمرت بتشييد المساجد» (٣) . قال البخاري: وأمر عمر ببناء المساجد، وقال: " أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس " (٤) .
وقد كثر التباهي في هذه الأزمنة بالمساجد، وأسرفوا في زخرفتها وكثرة الإنفاق عليها، وقد أفتى المشايخ بجواز تشييدها إذا شيدت المساكن والمنازل، حتى لا تكون المساجد مشوَّهة حقيرة بالنسبة إلى البيوت والمنازل، لكن بدون الإسراف والمبالغة في الزخرفة والرفع، وكثرة الإنفاق والألوان والأصباغ، والتنوع في ما يصرف فيها من الخزف والبلاط، والفرش مما لا حاجة إليه فهناك مساجد بحاجة إلى أدنى عمارة.
_________
(١) هو لابن ماجه برقم ٧٤١، قال في الزوائًد: في إسناده أبو إسحاق كان يدلس، وجبارة كذاب أي: شيخ ابن ماجه.
(٢) كذا في فتح الباري ١ / ٥٣٩ وقد ذكره أبر داود بعد الحديث رقم ٤٤٨، ورواه ابن ماجه برقم ٧٤٠ مرفوعا بلفظ: (أراكم ستشرقون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائًسها، وكما شرفت النصارى بيعها) . وجبارة شيخ ابن ماجه كذاب.
(٣) هو في سنن أبي داود برقم ٤٤٨، وسكت عنه. ورواه ابن حبان كما في الإحسان ٣ / ٧٠ بنحوه.
(٤) كذا في فتح الباري ١ / ٥٣٩، ولم يخرجه الشارح.
1 / 16
[الفصل الثالث فضل خدمة المساجد وعمارتها بالطاعة]
الفصل الثالث
في فضل خدمة المساجد وعمارتها بالطاعة قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٧ - ١٨] (١) الآية، حيث وصف من يعمر المساجد بالإيمان بالله واليوم الآخر، والصلاة والزكاة وخشية الله وحده، والاهتداء الكامل، أي أن المؤمنين بالله حقًا هم الذين يحملهم إيمانهم على عمارة المساجد، وأكثر أهل العلم على أن المراد عمارتها بالصلاة والذكر والقراءة والعلم، وأنواع العبادة، فهي العمارة الحقيقية، ولهذا أورد الإمام أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، لأن الله يقول: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨]» [رواه الترمذي وقال: حسن غريب، ورواه الحاكم وقال: هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها. لكن قال الذهبي: إن دراجًا كثير المناكير،
_________
(١) سورة التوبة.
1 / 17
أي: دراج أبو السمح، أحد رجال الإسناد، وقد أورده النووي في رياض الصالحين مع التزامه بذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة] (١) . ثم إن معناه تشهد له الآية الكريمة، حيث زكى ربنا سبحانه من يعمر المساجد، ووصفهم بالإيمان بالله واليوم الآخر. . إلخ، وذكر ابن كثير عند هذه الآية عن عبد بن حميد بإسناده عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما يعمر مساجد الله أهل الله» [وكذا رواه البزّار كما في الكشف، في باب في عمار المساجد عن صالح المري، عن ثابت، عن أنس، وقال: لا نعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا صالح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه صالح المري وهو ضعيف] (٢) . قلت: ولعله مستنبط من الآية الكريمة.
وقال الزمخشري في الآية: "أي: إنما تستقيم عمارة هؤلاء، وتكون معتدًا بها، والعمارة تتناول رم ما استرم منها، وقمها، وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر: درس العلم، بل هو
_________
(١) هو في المسند ٣ / ٦٨، ٧٦ برقم ١١٦٣٨، ١١٧١١، وجامع الترمذي برقم ٢٧٦١، ٣٣١٠، كما في التحفة ٧ / ٣٦٥، ٨ / ٤٩٠، وسنن ابن ماجه برقم ٨٠٢، ومستدرك الحاكم ١ / ٢١٢.
(٢) انظر كلام البزار في الكشف ١ / ٢١٧ برقم ٤٣٣.
1 / 18
أجله وأعظمه، وصيانتها مما لم تبن له المساجد، من أحاديث الدنيا، فضلًا عن فضول الحديث" (١) . ثم أورد عدة أحاديث منها حديث بلفظ: «يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقًا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة» [قال الحافظ: أخرجه الطبراني عن أبي وائل، عن ابن مسعود، وفيه: بزيع أبو الخليل وهو متروك. ثم ذكر أنه رواه ابن حبان في صحيحه من طريق آخر بنحوه] (٢) .
ويدخل في خدمة المساجد إنارتها، فقد ذكر الزمخشري عن أنس ﵁ قال: «من أسرج في مسجد سرجًا، لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له مادام في ذلك المسجد ضوؤه» [قال الحافظ: رواه الحارث ابن أسامة من رواية الحكم العبدي عن أنس (٣) وفي
_________
(١) كذا في كشاف الزمخشري على قوله: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر. الآية.
(٢) هو في معجم الطبراني الكبير ١٠ / ٢٤٤ برقم ١٠٤٥٢ من طريق بزيع به، ورواه ابن حبان كما في الإحسان برقم ٦٧٢٣ من طرق أخرى بنحوه، وله شاهد عند الحاكم في المستدرك ٤ / ٣٢٣ عن أنس بلفظ: (يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم ليس همتهم إلا الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة) [وصححه ووافقه الذهبي] .
(٣) كذا ذكره الزمخشري في تفسير الآية السابقة من سورة التوبة، وعلق عليه الحافظ بما ذكر، وذكره الذهبي في الميزان في ترجمة الحكم بن مصقلة العبدي، وذكر أن البخاري قال عنده عجائب وروى عنه هذا الحديث بإسناد البخاري وفيه: إسحاق بن بشر، قال: وهو الآفة، وتبعه في لسان الميزان، ولم أجده في التاريخ الكبير للبخاري.
1 / 19
الطبراني عن علي رفعه: «من علق قنديلًا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك» . . . إلخ) لكنه ضعيف، (١) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁: «أن رجلًا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد، فمات فسأل النبي ﷺ، فقالوا: مات. قال: (أفلا كنتم آذنتموني به، دلّوني على قبره، أو قال قبرها)، فأتى قبره فصلى عليه»، سميت في بعض الروايات: أم محجن (٢) والمراد: أنها تجمع القمامة وهى الكناسة، ومنها قطع الخرق، والقذى، والعبدان، قال أهل اللغة: القذى في العين والشراب ما يسقط فيه، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره ذا كان يسيرًا، ففي هذا الحديث فضل تنظيف المسجد إزالة ما يقع فيه من قمامة وقذى، لأنه يشوه المنظر، ويسبب النفرة من المسجد، بخلاف الموضع النظيف، فإنه النفس تألفه وترغب إطالة البقاء فيه.
_________
(١) ذكره الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف، عند قوله تعالى: إنما يعمر مساجد الله. الآية. وعزاه للطبراني في مسند الشاميين، ولم يطبع مسند علي في المعجم الكبير، وهذه المبالغة تدل على ضعف الحديث. والقنديل: نوع من السرج يوقد بالزيت ونحوه.
(٢) هو في صحيح البخاري برقم ٤٥٨، وصحيح مسلم في الجنائز برقم ٩٥٦. وشرحه الحافظ تحت رقم ٤٥٨، وذكر من سماها: الخرقاء، ومن كناها: أم محجن.
1 / 20
ومن تنظيفه تطييبه بالنضوح والدخنة، فقد رو " أبو يعلى عن ابن عمر ﵁ أنه كان يجمّر المسجد كل جمعة. [قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عمر العمري وثقه أحمد وغيره، واختلف في الاحتجاج به، (١) . ولا شك في استحباب تطييب المساجد بالعود ونضحها بالطيب، لمكانتها وشرفها، وذلك مما يرغب العامة في الجلوس فيها، ويسبب محبة النفوس لها، ويزيدها جمالا.
وقد روى عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد» . . .) إلخ [رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة في صحيحه، وسكت عنه أبو داود وقال المنذري في تهذيبه: وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وثقة ابن معين وتكلم فيه غير واحد. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذكر أن البخاري استغربه، ونقل عن البخاري والدارمي أن المطلب بن عبد الله راويه عن أنس لا يعرف له سماع من
_________
(١) كذا في مجمع الزوائد ٢ / ١١، وهو في مسند أبي يعلى برقم ١٩٠. وانظر ترجمة عبد الله بن عمر ابن حفص بن عاصم في تهذيب الكمال والميزان وغيرهما، وقد وصفوه: بالعبادة والانشغال عن الحديث.
1 / 21
أحد الصحابة] (١) ومع ذلك فمعناه صحيح، ويشهد لذلك قصة المرأة والتي كانت تقم المسجد فماتت فصلى النبي على قبرها (٢) . ومن خدمة المساجد فرشها بما يريح المصلّين ولو بتراب نظيف، أو حصباء، فقد روى أبو داود عن أي الوليد قال: «سألت ابن عمر عن الحصا الذي كان في المسجد، فقال: إنا مطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصا في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال: (ما أحسن هذا)» [لكن إسناده ضعيف] (٣) . ولا شك أن إراحة المصلّين بما يزيل عنهم حرارة الأرض، أو يقيهم من الغبار، أو يزيل عنهم شدة الحر مما يثاب عليه من قصده، ولذلك اعتيد في هذه الأزمنة جعل البسط والسجاد المريح في أغلب المساجد، بعد أن كانوا يصلون على الحصباء والأرض الصلبة والغبار، فوجدوا بذلك راحة وانبساطًا ومحبة للعبادة ورغبة فيها.
_________
(١) هو في سنن أبي داود برقم ٤٦١، وجامع الترمذي كما في التحفة ٨ / ٢٣٣ برقم ٣٠٩٣، وصحيح ابن خزيمة، ومسند أًبي يعلى برقم ٤٢٦٥، وذكره الحافظ في الفتح ٩ / ٨٦ وضعف إسناده، وانظر كلام المنذري في تهذيب السنن تحت رقم ٤٣٣، رقد نقل كلام الترمذي على الحديث.
(٢) سبق قريبا أنه في الصحيحين وذكر من سماها.
(٣) هو في سنن أبي داود برقم ٤٥٨ وسكت عنه أبو داود والمنذري في تهذيبه.
1 / 22