مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص له قلبه وانجابت عنه أكدار الشرك وصفا، وأقر له برق العبودية، واستعاذ به من شر الشيطان والهوى، وتمسك بحبله المتين المنزل على رسوله الأمين محمد خير الورى صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الحشر واللقا، ورضي الله عن أصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه أجمعين، أولي البصائر والنهى.
أما بعد:
فإنه لا يجمل بأولي العلم إهمال معرفة الأيام النبوية والتواريخ الإسلامية، وهي مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة، لا يستغني عالم عنها، ولا يعذر في العرو منها.
وقد أحببت أن أعلق تذكرةً في ذلك لتكون مدخلًا إليه وأنموذجًا وعونًا له وعليه، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وهي مشتملة على
1 / 79
ذكر نسب رسول الله ﵊، وسيرته وأعلامه، وذكر أيام الإسلام بعده إلى يومنا هذا، مما يمس حاجة ذوي الأرب إليه، على سبيل الاختصار إن شاء الله تعالى.
1 / 80
الجزء الأول سيرتهُ ﷺ وَغَزَواتُهُ
1 / 81
فصل ذكر نسبه ﷺ
هو سيد ولد آدم: أبو القاسم محمد، وأحمد، والماحي الذي يمحى به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس، والعاقب الذي ليس بعده نبي، والمقفي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة.
ابن عبد الله، وهو أخو
1 / 83
الحارث، والزبير، وحمزة، والعباس، ويكنى أبا الفضل، وأبي طالب، واسمه عبد مناف، وأبي لهب، واسمه عبد العزى، وعبد الكعبة، وهو المقوم، وقيل: هما اثنان، وحجل، واسمه المغيرة، والغيداق، وسمي بذلك لكثرة جوده، وأصل اسمه نوفل، وقيل: حجل، وضرار.
وصفية، وعاتكة، وأروى، وأميمة، وبرة، وأم حكيم - وهي البيضاء ـ.
هؤلاء كلهم أولاد عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد على الصحيح، ابن هشام واسمه عمرو، وهو أخو المطلب - وإليهما نسب ذوي القربى - وعبد شمس، ونوفل، أربعتهم أبناء عبد مناف أخي عبد العزى، وعبد الدار، وعبد، أبناء قصي، واسمه زيد، وهو أخو زهرة، ابنا كلاب أخي تيم، ويقظة أبي مخزوم، ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي، وهصيص، وهم أبناء كعب أخي عامر، وسامة،
1 / 84
وخزيمة، وسعد، والحارث، وعوف، سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الأدرم.
ابني غالب أخي الحارث، ومحارب، بني فهر أخي الحارث ابني مالك أخي الصلت، ويخلد، بني النضر أخي مالك، وملكان، وعبد مناة، وغيرهم، بني كنانة أخي أسد، وأسدة، الهون، بني خزيمة أخي هذيل، ابن مدركة، واسمه عمرو، وهوأخو طابخة، واسمه عامر، وقمعة، وثلاثتهم أبناء إلياس، أخي الناس، وهو عيلان والدقيس كلها، كلاهما، ولد مضر أخي ربيعة وهما الصريحان من ولد إسماعيل، وأخي أنمار، وإياد، وقد تيامنا، أربعتهم أولاد نزار أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب، كلاهما ابنا معد بن عدنان.
فجميع قبائل العرب ينتسبون إلى من ذكرت من أبناء عدنان.
وقد بين ذلك الحافظ أبو عمر النمري في كتاب الإنباه بمعرفة قبائل الرواة بيانًا شافيًا رحمه الله تعالى:
وقريش على قول أكثر أهل النسب هم الذين ينتسبون إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأنشدوا في ذلك:
قصي لعمري كان يدعى مجمعًا ... به جمع الله القبائل من فهر
1 / 85
وقيل: بل جماع قريش هو النضر بن كنانة، وعليه أكثر العلماء والمحققين، واستدل على ذلك بالحديث الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر - رحمه الله تعالى - «عن الأشعث بن قيس ﵁ قال: قدمت على رسول الله ﷺ في وفد كندة فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ قال: [لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفى من أبينا]» .
وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن، وفيه: فكان الأشعث يقول: لا أوتى برجل نفى رجلًا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد.
وقيل: إن جماع قريش إلياس بن مضر بن نزار.
وقيل: بل جماعهم أبوه مضر.
وهما قولان لبعض أصحاب الشافعي، حكاهما أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في شرحه، وهما
1 / 86
وجهان غريبان جدًا.
فأما قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ، وغير ذلك، فأولئك من قحطان ليسوا من عدنان.
وقضاعة فيها ثلاثة أقوال: قيل: إنها من العدنانية، وقيل: قحطانية، وقيل: بطن ثالث لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، وهو غريب، حكاه أبو عمر وغيره.
فصل ـذكر نسبه ﷺ بعد عدنان
وهذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مرية فيه ولانزاع، وهو ثابت بالتواتر والإجماع، وإنما الشأن فيما بعد ذلك، لكن لا خلاف بين أهل النسب وغيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله، وهو الذبيح على الصحيح من قول الصحابة والأئمة، وإسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد اختلف في كم أب بينهما على أقوال:
فأكثر ما قيل أربعون أبًا، وأقل ما قيل سبعة آباء، وقيل: تسعة، وقيل: خمسة عشر، ثم اختلف في أسمائهم.
وقد كره بعض السلف والأئمة الانتساب إلى ما بعد عدنان، ويحكى عن مالك بن أنس الأصبحي الإمام ﵀ أنه كره ذلك.
1 / 87
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإنباه والذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا: عدنان بن أدد، بن مقوم بن ناحور، بن تيرح، ابن يعرب، بن يشجب، بن نابت، بن إسماعيل، بن إبراهيم خليل الرحمن، بن تارح - وهو آزر - بن ناحور، بن شاروخ، بن راعو، بن فالخ، بن عيبر، ابن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح بن لامك، بن متوشلخ، بن أخنوخ - وهو إدريس النبي ﵇ فيما يزعمون، والله أعلم، وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث، وأول من خط بالقلم، بن يرد، بن مهليل، ابن قينن، بن يانش، بن شيث، بن آدم ﷺ.
هكذا ذكره محمد بن إسحق بن يسار المدني صاحب السيرة النبوية، وغيره من علماء النسب.
وقد نظم ذاك أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي المعتزلي في قصيدة يمدح فيها رسول الله ﷺ، وقد أوردها الإمام أبو عمر، وشيخنا في تهذيبه، وهي قصيدة بليغة أولها:
1 / 88
مدحت رسول الله أبغي بمدحه ... وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءًا فاق المديح موحدًا ... بأوصافه عن مبعد ومقارب
فجميع قبائل العرب مجتمعون معه في عدنان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾، قال ابن عباس ﵄: لم يكن بطن من قريش إلا ولرسول الله ﷺ فيهم قرابة.
وهو صفوة الله منهم كما رواه مسلم في صحيحه «عن واثلة بن الأسقع ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: [إن الله اختار كنانة من ولد إسماعيل ثم اختار من كنانة قريشًا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم]»
وكذلك بنو إسرائيل أنبياؤهم وغيرهم يجتمعون يجتمعون معه في إبراهيم الخليل عله الصلاة والسلام، الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهكذا أمر الله سبحانه بني إسرائيل على لسان موسى ﵇، وهو في التوراة كما ذكره غير واحد من العلماء ممن جمع بشارات الأنبياء به ﷺ، إن الله تعالى قال لهم
1 / 89
ما معناه: [سأقيم لكم من أولاد أخيكم نبيًا كلكم يسمع له، وأجعله عظيمًا جدًا] .
ولم يولد من بني اسماعيل أعظم من محمد ﷺ، بل لم يولد من بني آدم أحد ولا يولد إلى قيام الساعة أعظم منه ﷺ، فقد صح أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه من الأنبياء تحت لوائي» وصح عنه أنه قال: «سأقوم مقامًا يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم» .. وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى، وهو الشفاعة العظمى التي يشفع في الخلائق كلهم، ليريحهم الله بالفضل بينهم من مقام المحشر، كما جاء مفسرًا في الأحاديث الصحيحة عنه ﷺ.
وأمه ﷺ: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.
1 / 90
فصل - ولادته ورضاعه ونشأته
ولد ﷺ يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: ثامنه، وقيل عاشره، وقيل لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان، وهو شاذ، حكاه السهيلي في روضه.
وذلك عام الفيل، بعده بخمسين يومًا، وقيل بثمانية وخمسين يومًا، وقيل بعده بعشر سنين، وقيل: بعد الفيل بثلاثين عامًا، وقيل: بأربعين عامًا،
1 / 91
والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرها إجماعًا.
ومات أبوه وهو حمل، وقيل بعد ولادته بأشهر، وقيل بسنة، وقيل بسنتين، والمشهور الأول، واسترضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية كما روينا ذلك بإسناد صحيح، وأقام عندها في بني سعد نحوًا من أربع سنين، وشق عن فؤاده هناك، فردته إلى أمه، فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة، فتوفيت بالأبواء، وهي راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين
1 / 92
وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقيل: بل أربع سنين وقد روى مسلم في صحيحه «أن رسول الله ﷺ لما مر بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وكان معه ألف مقنع [يعني بالحديد]» .
فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته، ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله ﷺ من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب، لأنه كان شقيق فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره حين بعثه الله أعز نصر، مع أنه كان مستمرًا على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك.
وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي عشرة سنة، وذلك من تمام لطفه به، لعدم من يقوم إذا تركه بمكة،
1 / 93
فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من الآيات فيه ﷺ ما زاد عمه في الوصاة به والحرص عليه، كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات، من تظليل الغمامة له وميل الشجرة بظلها عليه، وتبشير بحيرا الراهب به، وأمره لعمه بالرجوع به لئلا يراه اليهود فيرمونه سوءًا، والحديث له أصل محفوظ وفيه زيادات أخر ز ثم خرج ثانيًا إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، فرجع فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها، لما رجت في
1 / 94
ذلك من الخير الذي جمعه الله لها، وفوق ما يخطر ببال بشر، فتزوجها رسول الله ﷺ وله خمس وعشرون سنة.
وكان الله سبحانه قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعها، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله ﷺ فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذا الحجر فوضعه موضعه ﷺ.
فصل - مبعثه ﷺ
ولما أراد الله تعالى رحمة العباد، وكرامته بإرساله إلى العالمين، حبب إليه الخلاء، فكان يتحنث في غار حراء، كما كان يصنع ذلك متعبدو ذلك الزمان، كما قال أبو طالب في قصيدته المشهورة اللامية:
وثور ومن أرسى ثبيرًا مكانه ... وراق لبر في حراء ونازل
1 / 95
ففجأه الحق وهو بغار حراء في رمضان، وله من العمر أربعون سنة، «فجاءه الملك فقال له أقرأ، قال لست بقارىء، فغته حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال له: اقرأ، قال: لست بقارئ ثلاثًا ثم قال: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾ .
فرجع بها رسول الله ﷺ ترجف بوادره، فأخبر بذلك خديجة رضي الله تعالى عنها، وقال: قد خشيت بها على عقلي، فثبتته وقالت: أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر» ...
في أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه ﷺ
1 / 96
وتصديقًا منها له وتثبيتًا وإعانة على الحق، فهي أول صديق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها.
ثم مكث رسول الله ﷺ ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئًا، وفتر عنه الوحي، فاغتنم لذلك وذهب مرارًا ليتردى من رؤوس الجبال، وذلك من شوقه إلى ما رأى أول مرة، من حلاوة ما شاهده من وحي الله [إليه]، فقيل: إن فترة الوحي كانت قريبًا من سنتين أو أكثر، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقًا، فلما رآه رسول الله ﷺ فرق منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.
دثروني.
فأنزل الله عليه ﴿يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر﴾ .
وكانت الحال الأولى حال نبوة وإيحاء، ثم أمره الله في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله، فشمر ﷺ عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعوا إلى الله سبحانه الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة وكان حائز سبقهم أبو بكر ﵁، عبد الله بن عثمان التيمي وآزره
1 / 97
في دين الله، ودعا معه إلى الله على بصيرة، فاستجاب لأبي بكر عثمان بن عفان، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص.
وأما علي فأسلم صغيرًا ابن ثماني سنين، وقيل: أكثر من ذلك وقيل: كان إسلامه قبل إسلام أبي بكر، وقيل: لا، وعلى كل حال، فإسلامه ليس كإسلام الصديق، لأنه كان في كفالة رسول الله ﷺ أخذه من عمه إعانة له على سنة محل.
وكذلك أسلمت خديجة، وزيد بن حارثة.
وأسلم القس ورقة بن نوفل فصدق بما وجد من وحي الله، وتمنى أن لو كان جذعًا، وذلك أول ما نزل الوحي، وقد روى الترمذي: «أن رسول الله ﷺ رآه في المنام في هيئة حسنة، وجاء في حديث أن رسول الله ﷺ قال: [رأيت القس عليه ثياب بيض]» وفي الصحيحين أنه قال: هذا الناموس الذي جاء موسى بن عمران.
لما ذهبت خديجة به إليه، فقص عليه رسول الله ﷺ ما رأى من أمر جبريل ﵇.
1 / 98
ودخل من شرح بن صدره للإسلام على نور وبصيرة ومعاينة فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، لأنه كان شريفًا مطاعًا فيهم، نبيلًا بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر محمد ﷺ لما يعلمون من محبته له، وكان من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من المصلحة، هذا رسول الله يدعو إلى الله ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا لا يصده عن ذلك صاد ولا يرده عنه راد، ولا يأخذه في الله لومة لائم.
فصل - فتنة المعذبين والهجرة إلى الحبشة
ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا منهم جماعة حتى إنهم كانوا يصبرونهم، ويلقونهم في الحر، ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحر، حتى إن أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم فيقولون لأحدهم: اللاتي إلهك من دون الله.
فيقول مكرهًا: نعم! وحتى إن الجعل ليمر فيقولون: وهذا إلهك من دون الله.
فيقول نعم! ومر الخبيث عدو الله أبو جهل عمرو بن هشام بسمية أم عمار وهي تعذب وزوجها وابنها، فطعنها بحربة في فرجها فقتلها، ﵂ وعن ابنها وزوجها.
وكان الصديق رضي الله تعالى عنه إذا مر بأحد من الموالي يعذب يشتريه من
1 / 99