تكايا المولوية لا تزال قائمة في مصر والشام، وكانت إلى عهد قريب كثيرة في أرجاء تركيا، وكان لها عند القوم مكانة عظيمة، وكانت مشيخة الطريقة في قونية حيث عاش ومات صاحب الطريقة. وكان للشيخ - ويسمى چلبي قونية - منزلة عند السلاطين العثمانيين، وجرت سنتهم أن يقلد الشيخ سيف عثمان من يتولى الملك من أبنائه، ونشأت تكايا المولوية كثيرا من كبار الصوفية، وأخرجت أدباء كبارا، وكان لها آثار شتى في العالم الإسلامي.
المولويون ينتسبون إلى «مولانا» وهو جلال الدين الرومي الصوفي الشاعر العظيم صاحب «الكتاب المثنوي» الذائع الصيت، والعظيم الأثر في العالم الإسلامي الشرقي.
وقد روي عن الشاعر الصوفي الكبير عبد الرحمن الجامي بيتان معناهما: «إن كنت عالما بأسرار المعرفة فدع اللفظ واقصد المعنى: إن المثنوي المعنوي المولوي هو القرآن في اللسان الفارسي. ماذا أقول في وصف هذا العظيم؟ لم يكن نبيا ولكنه أوتي الكتاب.»
وقد شرح المثنوي كثيرا بالتركية والفارسية والعربية، وطبع شرحه العربي في المطبعة الوهبية سنة 1289، كما طبع في بولاق الكتاب نفسه وترجمته التركية التي نظمها الشاعر نحيفي، ولا تزال هذه الطبعة أجمل طبعات المثنوي حتى يومنا، وفي آخر هذه الطبعة أبيات عربية لرئيس المصححين آخرها:
وإن بدا كالبدر في كماله
وقد زها بالحسن طبعا وضعه
فصح وقل يا صاح في تاريخه: «المثنوي قد أتم طبعه»
وحساب الشطر الأخير بالجمل 1268، وهو تاريخ الطبع. فقد أخرجت مطبعة بولاق أجمل طبعات المثنوي قبل سبع وتسعين سنة.
ولكن معرفة هذه البلاد بالمثنوي وصاحبه لم تزد في هذا القرن الذي مضى بعد طبع الكتاب، إلا حين شرعت كلية الآداب تعلم الأدب الفارسي منذ عشرين عاما، وقد زادت عنايتها بالآداب الفارسية وما فيها من التصوف، وبالآداب الشرقية الأخرى، فأنشئ منذ سنتين معهد اللغات الشرقية بكلية الآداب، والمثنوي يدرس اليوم لطلاب هذا المعهد.
وقد سبقنا المستشرقون إلى العناية بجلال الدين وشعره، فترجم الكتاب إلى لغات أوربية عدة، وكان أكثر الغربيين عناية به مستشرقو الإنكليز، وقد بلغت هذه العناية غايتها بأعمال الأستاذ نكلسون الذي أتم أبحاثه الكثيرة في التصوف الإسلامي بترجمة المثنوي كله إلى الإنكليزية، وطبع الأصل الفارسي والترجمة.
Bilinmeyen sayfa