ويمضي باسمه على دفتر الدوام ثم ينسلّ فيغيب ساعة أو بعض ساعة. والذي يسرق أوقات المراجعين وكرامتهم، فتكون القضية محتاجة إلى خمس دقائق فيقول لصاحبها تعال غدًا، يحسب أنه إن قعد وراء المكتب والمراجِع واقف أمامه أن ذلك سيدوم له، ثم يدّعي أنه مؤمن، والرسول ﵊ يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه».
والتلميذ الذي يسرق الجواب في الامتحان. إنه حين يسرق بعينه من ورقة جاره أكبرُ ذنبًا من الذي يسرق بيده من جيبه (١)، لأن سرقة المال يزول أثرها بردّ المال، ومن سرق الجواب ونال الدرجة زورًا، ثم أخذ بعدها الشهادة زورًا، ثم نال المنصب زورًا، يستمر أثر جريمته دهرًا، وربما صار بشهادته معلّمًا وهو غير عالم، فنشأ على يديه الآثمتين جماعة من الجهلاء، فيكون كحامل جرثومة المرض يعدي من يتصل به، ومَن أعداه ذهب فأعدى سواه، فسرى المرض في جسد الأمة.
أما السرقات الأدبية فلها حديث قديم جدًا طويل جدًا، كتبت فيه في غير هذا الموضع، وقد ظهر الآن لون منها ما عرفه الأوّلون هو سرقة المطبوعات. وقد تجرّعت منه المُرَّ وذقت منه الصَّابَ والعلقم. آخُذُ كتابي المطبوع بإذني وعلمي والكتابَ المسروق، فلا أميّز أنا واحدًا من واحد، لأن الورق هو الورق والحرف هو الحرف والحبر هو الحبر! لكني إن لم أستطع أن أميز فإن في الوجود من يميز الصالح من الفاسد ومن يكافئ على
_________
(١) الجيب في اللغة فتحة القميص، ولكنا استعملناها هنا على ما يفهمه الناس.
1 / 16