الفصل السادس والثلاثون
خمر أنجو
وكان الجيش ينتظر قدوم الملك بفروغ صبر، وكان أخوه عالما أنه سيستبدل في القيادة إما بالدوق دانكوليم أو باسومبيير أو سكومبرج لأنهم كانوا يتنازعون القيادة؛ وبذلك أقام لا يجري أمرا في طرد الإنكليز عن حصار قلعة سان مارتين وحصن لابري ولا في حصار الفرنسويين روشل.
أما دارتانيان فأقام لا يحرك ساكنا وهو في هاجس من نحو أصحابه، حتى إذا كان ذات يوم ورد عليه كتاب، وهذا نصه:
سيدي الكريم. إن أتوس وبورتوس وأراميس بعد إذ صرفوا عندي مدة طلبوا مني أن أرسل إليك اثنتي عشرة باطية من نبيذ أنجو لتشربها على نخبهم.
الإمضاء
كودو خولي الحراس
فسر دارتانيان بالهدية وذهب فدعا برفيقيه الحرسيين وأعد لهما متكأ وأمر خادمه بإحضار النبيذ، وكان عنده خادم آخر في المعسكر، فجاء بكأس من الخمر وجعل ينظر إليها نظرة المشوق الولهان، فقال له دارتانيان: اشرب لا عليك. فشرب ووضع الباطية بين أيديهم وهموا بالشرب وإذا بمدفع قد دوى ثم تلته مدافع، فظنوا أن العدو قد هاجمهم، فتركوا الكئوس قبل أن يمسوها ووثبوا إلى خارج المضرب، فوجدوا أن السبب قدوم الملك بحرسه، فعدا دارتانيان إلى أصحابه يهنئهم بالسلامة، فقال له أحدهم: هل عندك ما نشرب؟ قال: نعم من خمركم تشربون، فقال أتوس: وأي خمرنا؟ فقص عليه أمر الرسالة، فجعل كل منهم ينظر إلى رفيقه ويتساءلون، فقال لهم دارتانيان: ما بالكم كيف تعجبون؟ وهذا كتاب وكيلكم لي. فأخذه أتوس وقال: كذب من أتى به، فما هذا خطه فهو كتاب زور، فقال دارتانيان: هلم بنا إلى المضرب، فما أظن ذلك إلا من أفعال الخائنة. ولما دخل دارتانيان إلى الخيمة رأى الخادم الذي شرب الكأس يجود بنفسه وعلى وجهه علائم السم، فقال وهو يتقطع ألما: غششتني يا مولاي وسقيتني السم. قال: لا والله، فقد عزمت على أن أشرب. ولم يلبث الخادم أن مات، فدفنوه وكسروا البواطي، وتقدموا إلى الحارسين في كتم الأمر فوعداهم، وانصرفا. وقال الحراس لدارتانيان: اخرج بنا من هنا، فخرجوا إلى مضرب آخر، واشتغل أراميس وبورتوس ببعض شأنهما، فقال دارتانيان لأتوس: أظن أنها الفاعلة. قال: أنا في شك من ذلك. قال: إني رأيت زهرة الزنبق على كتفها رأي العين. قال: لعلها إنكليزية قدمت فرنسا ففجرت فيها فعوقبت. قال: بل هي امرأتك يا أتوس التي حكيت لي عنها وأنت في حال السكر. قال: إن امرأتي قد ماتت وأنا على يقين من أني شنقتها. قال: لعل الله قيض لها من خلصها، والآن فما نصنع؟ قال: نذهب إليها فتقول لها أن تكف عنك وتحذرها من أنك تشكوها إلى الملك وتحاكمها وتهول عليها من أمثال ذلك، وإلا فلا إقامة لك إلا بسياف يخفر رأسك كما يخفر رأس الملك. قال: إني أرغب في ذلك، ولكن من لي بها الآن؟ قال: يكون ذلك في آتي الأيام. قال: وكيف أطيق اللبث وأنا تحت الخطر منها؟ قال: قد حفظنا الله إلى الآن وهو زعيم بنا إلى المستقبل. قال: صدقت، ولكن ما رأيك بكونستانس؟ قال: ألم تعرف من الرسالة أنها في أحد الأديرة، فأنا لك بعد انتهاء الحرب في البحث عنها فلا ندع ديرا في فرنسا بأسرها. قال: ذلك بعيد المنال طويل الشقة، ولكن نكتب إلى أحد أتباع الملكة فيسألها عنها، فإنها هي التي أدخلتها الدير. قال: سنفعل. ثم افترقا.
الفصل السابع والثلاثون
فندق برج الحمام
Bilinmeyen sayfa