لم يثر احتمال كونها قد تكون على قيد الحياة، رغم افتراض موتها، لم يثر أي إحساس بالشفقة في قلب آثوس. ولم يخفف الزمن، بحال ما، تلك الضربة القاصمة التي تلقاها، فرفع كأسه وشربها حتى الثمالة، ومال رأسه في بطء حتى استقر على ذراعيه الممتدتين فوق المائدة، واحترقت الشمعة حتى تلاشت ثم انطفأت، دون أن يفطن إليها. وهكذا بقي آثوس حتى بدأ نور الفجر البارد يلوح خلال مصراعي النافذة نصف المفتوحة.
الفصل السادس عشر
سر ميلادي
رغم ما عرفه دارتانيان عن ميلادي، فإنه أحس في قرارة نفسه أنه خرق للأدب ودماثة الخلق، إن هو غادر باريس، دون أن يودعها؛ ومن ثم، فقد زارها بعد مرور ليلتين، ليخبرها برحيله المبكر مع فرقته إلى الساحل الغربي لفرنسا، للمشاركة في حصار روشيل. وعلى أية حال، لم تعرف ميلادي أنه سمع مصادفة كلامها مع خادمتها. وزيادة على ذلك، لم يرغب في إثارة شكوكها، إن هو قطع، فجأة، زياراته لها، التي كثرت في الأيام الأخيرة.
لم يمكث دارتانيان لدى ميلادي طويلا، وإنما نهض واستأذن في الانصراف، حينما عن له أن ينصرف. وكانت ميلادي رقيقة كعادتها، وتطوعت مبتسمة بأن تصحبه حتى الباب، غير أنها وهي تنهض لتفعل ذلك، اشتبك طرف فستانها بكعب فردة حذائها اليسرى، فجذب الفستان بشدة عند كتفها، فلم يقاوم الفستان الحريري الرقيق هذه الجذبة القوية، فتمزق عند الكتف.
وإذ رأى دارتانيان ارتباك ميلادي، تقدم بطبيعة الحال، ليساعد في تخليص الفستان، فإذا على إحدى كتفيها - وقد كشفها الفستان الممزق - يظهر شيء مذهل، فلم يسعه إلا أن يقف ويحملق دهشا؛ فعلى جلد كتفها الأبيض، نقشت علامة زهرة الزنبق، التي تدل على الإدانة، طبعتها مكواة الجلاد العام.
استدارت ميلادي، وفي لمح البصر، أدركت أن دارتانيان اكتشف سرها الرهيب؛ ذلك السر الذي أخفته، حتى عن خادمتها.
صاحت ميلادي قائلة، وما عادت امرأة، بل قطة متوحشة: «يا لك من وغد! لقد عرفت سري، سأقتلك!»
وهرعت إلى دولاب صغير وسط الحجرة، وفتحت درجا بيدين مرتجفتين، وأخرجت خنجرا صغيرا ذا مقبض ذهبي، واستدارت فألقت بنفسها على دارتانيان.
رغم شجاعة دارتانيان، ارتجف لمرآها المتغير ونظرتها الوحشية، وعينيها اللتين تقدحان بالشرر، ووجنتيها الشاحبتين، وشفتيها الداميتين بين أسنانها، فقفز إلى الخلف، وكأنه يتحاشى قفزة أفعى سامة تهجم عليه، واستل سيفه.
Bilinmeyen sayfa