ومن أساليب إلقاء الشبهات عند بعض الناس أن يعمدوا إلى ذكرها بصيغة النفي والتلميح! كذلك فعل تيجلينس
Tigellinus
وزير نيرون، إذ التفت إلى برهوس
Burrhus ، وقال: «إنني لا أرى موضعا للخلاف إلا من حيث تمس سلامة الإمبراطور.»
ومن الناس من لا يزالون على استعداد بصنوف من الحكايات والنوادر، بحيث لا يومئون إلى شيء أو يوعزون به إلا استطاعوا أن يضمنوه حكاية أو نادرة، فيجمعون بين الاحتراس في الحديث وبين الإفضاء به في قالب يسر سامعيه.
ويعد من أفانين المكر الناجح أن يصوغ المرء الجواب الذي يريده في قالبه هو وتعبيره، فيقل التشبث به من الطرف الآخر.
وأغرب ما يلاحظ أن تراقب بعضهم كم يطول انتظارهم للوقت الذي يفوهون فيه بطواياهم، وكم يحومون ويحومون حول الغاية التي يتعمدونها، وكم يطرقون من المواضع البعيدة؛ ليقتربوا من تلك الغاية ... إنه لصبر عجيب ولكنه غير قليل.
ويتفق كثيرا أن يؤدي السؤال الجريء المفاجئ إلى استطارة الإنسان وفتح مغاليقه، ومن هذا القبيل ذاك الذي بدل اسمه وخرج يتمشى، فغافله بعضهم من ورائه وناداه على غرة باسمه الصحيح ، فنسي نفسه واستدار على عجل إليه.
ولا نهاية لهذه الأفانين الصغيرة من بضاعة المكرة، وحبذا لو تيسر إحصاؤها جميعا في سجل محفوظ، إذ ليس أضر بالدول من الاغترار بالمكرة، وحسبانهم حكماء وعقلاء.
على أن بعضهم قد يعرف ضروب المكر، ولا يعرف مع هذا مداخلها ومخارجها، مثلهم مثل البيت الذي حسنت أبوابه وسلالمه، ولم تحسن حجرة واحدة من حجراته، فتراهم ينتهون إلى حلول مقبولة، ولكنهم لا يقدرون على بحث المسائل ومناقشتها، ويروقهم كثيرا مع عجزهم هذا أن يحسبوا من ذوي القدرة على العبث بالآخرين وتسخيرهم، ويعتمدون على غش الآخرين دون المبالاة بصواب تصرفاتهم، ولكن سليمان الحكيم يقول: «حكمة الذكي فهم طريقه وغباوة الجهال غش ... والغبي يصدق كل كلمة، والذكي يتنبه إلى خطواته.»
Bilinmeyen sayfa