أما بعد، فقد قرأنا كتابك؛ فانه نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين، نسمح لك بطاعتنا. وزعمت أنا قد ظلمنا أنفسنا، وذلك ظنك الذي أرداك فأراك الجور عدلا والباطل حقا. وأما محبتنا فأن تنزغ وتتوب وتستغفر الله من تجنيك على خيارنا، وتسييرك صلحاءنا، وإخراجك إيانا من ديارنا، وتوليتك الأحداث علينا ، وأن تولي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة، فقد رضيناهما. واحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله. والسلام.»
1
فأنت ترى أن الأشتر لم يخلع طاعة عثمان ولم ينكر إمامته، وإنما اتهمه بالجور والانحراف عن السنة ونبذ القرآن وراء ظهره، وتولية الأحداث، ونفى من نفى من المسلمين. وطلب إليه أن يكف عن هذا كله، وأن يولي على صلاة الكوفة وحربها أبا موسى الأشعري وعلى خراجها حذيفة بن اليمان، فإن فعل فله طاعة أهل الكوفة.
وانظر إلى قوله: «واحبس عنا سعيدك ووليدك ومن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله»؛ فإنه يصور ما أحفظ أهل الكوفة وغاظهم من إيثار عثمان لأهل بيته، وتنحيته ذوي المكانة من أمثال أبي موسى وحذيفة. قال الرواة: فلما قرأ عثمان هذا الكتاب، قال: اللهم إني تائب. وكتب إلى أبي موسى وحذيفة: أنتما لأهل الكوفة رضا ولنا ثقة، فتوليا أمرهم وقوما به بالحق، غفر الله لنا ولكما. ووصل إلى عثمان قول عتبة بن الوغل:
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب
وأمر علينا الأشعري لياليا
فقال: نعم! وأشهرا إن بقيت.
2
الفصل الثالث عشر
وهناك قصة أكبر الرواة المتأخرون من شأنها وأسرفوا فيها، حتى جعلها كثير من القدماء والمحدثين مصدرا لما كان من الاختلاف على عثمان، ولما أورث هذا الاختلاف من فرقة بين المسلمين لم تمح آثارها بعد: وهي قصة عبد الله بن سبأ الذي يعرف بابن السوداء. قال الرواة: كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء حبشي الأم، فأسلم في أيام عثمان، ثم جعل يتنقل في الأمصار يكيد للخليفة ويغري به ويحرض عليه، ويذيع في الناس آراء محدثة أفسدت عليهم رأيهم في الدين والسياسة جميعا. قالوا إنه ذهب إلى البصرة، فلم يكد يستقر فيها حتى رفع أمره إلى عبد الله بن عامر فأخرجه عنها. فذهب إلى الشام، وهناك لقي أبا ذر، فلام عنده معاوية في قوله عن مال المسلمين: إنه مال الله. وتأثر أبو ذر بحديث ابن السوداء، فكلم معاوية. ثم لقي عبادة بن الصامت، وأراد أن يتحدث إليه بمثل ما تحدث به إلى أبي ذر، فتعلق به عبادة وقاده إلى معاوية وخوفه شره على الشام، فأخرجه معاوية من الشام. فذهب إلى مصر وفي مصر وجد أرضا خصبة لكيده ومكره وبدعه؛ فكان يتحدث إلى الناس بأن النبي محمدا أحق بالرجعة من عيسى بن مريم، ويذكر قوله عز وجل:
Bilinmeyen sayfa