Büyük Fitne Ali ve Oğulları
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Türler
لم يكن علي يستبيح لنفسه مكرا ولا كيدا ولا دهاء، كان يؤثر الدين الخالص على هذا كله، وكان يحتمل الحق مهما تثقل مئونته، لا يعطي في غير موضع للعطاء، ولا يشتري الطاعة بالمال، ولا يحب أن يقيم أمر المسلمين على الرشوة، ولو شاء علي لمكر وكاد، ولكنه آثر دينه وأبى إلا أن يمضي في طريقه إلى مثله العليا من الصراحة والحق والإخلاص والنصح لله والمسلمين، عن رضى واستقامة لا عن كيد والتواء.
وقد جعل يدعو الناس بين حين وحين، يرفق بهم كثيرا ويعنف عليهم أحيانا، حتى قال لهم ذات يوم: «أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة قلوبهم وأهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، إذا دعوتكم إلى الجهاد قلتم كيت كيت، وذيت ذيت، أعاليل بأباطيل، وسألتموني التأخير، فعل ذي الدين المطول حيدي حياد، لا يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد والعزم واستشعار الصبر، أي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصركم ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم، أبدلني بكم من هو خير لي منكم، أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وأثرة يتخذها الظالم فيكم سنة، فيفرق جماعتكم، ويبكي عيونكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وتتمنون عن قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني، فستعلمون حق ما أقول، ولا يبعد الله إلا من ظلم.»
ولكنهم سمعوا منه وتفرقوا عنه ولم يصنعوا شيئا حتى أيأسوه من أنفسهم، وحتى روى بعض الرواة عمن رآه، وقد رفع المصحف حتى وضعه على رأسه، ثم قال: «اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيرا لي منهم، وأبدلهم بي شرا مني، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء.»
وقد كانت حياة علي بعد النهروان محنة متصلة، محنة شاقة إلى أقصى حدود المشقة، كان يرى الحق واضحا مضيئا صريحا له كما تضيء الشمس، وكان يرى في أصحابه من القوة والبأس ومن العدد والعدة ما يمكنه من بلوغ هذا الحق وإعلاء كلمته، ولكنه كان يرى أصحابه قاعدين عن حقهم متخاذلين عن نصره، يدعون فلا يجيبون، ويؤمرون فلا يطيعون، ويوعظون فلا يتعظون، قد أحبوا الحياة وكرهوا الموت، وآثروا العافية وضاقوا بالحرب، واستلذوا الراحة وسئموا التعب، حتى أخذ معاوية ينتقص أطرافهم في العراق ويغير على الأقاليم خارج العراق، وعلي يدعو فلا يجاب، ويأمر فلا يطاع، ويقول فلا يسمع له إلا قليل من أصحابه لا يكادون يغنون عنه شيئا.
وقد كان يرى أنه أحق الناس بالخلافة منذ وفاة النبي، ولكنه صبر حين صرفت عنه إلى الخلفاء الذين سبقوه، فلما جاءته الخلافة لم تجئه صفوا ولا عفوا، وإنما جاءته بعد فتنة منكرة وكلفته وكلفت أصحابه معه أهوالا ثقالا، ثم أسلمته بعد ذلك إلى هذا الموقف البغيض إلى كل نفس أبية، وإلى كل مؤمن صادق الإيمان، موقف الإمام الذي لا يطاع، والذي يريد الحق فلا يبلغه، لا لضعف فيه ولا لقلة في أصحابه ولا لوهن في أداته، بل لأن أصحابه لا يريدون أن يطيعوه ولا أن ينصروه، بعد أن جربوا الطاعة والحرب، فلم يجنوا منهما إلا تقطيع الأرحام وقتل الصديق واحتمال المشقة والتعرض للهلكة في غير غنيمة، فآثروا الدعة واطمأنوا إليها، ثم لم يؤثروا الدعة وحدها وإنما فرغوا لأنواع الجدال العقيم، ينفقون فيه أوقاتهم وجهودهم، حتى جاءه نفر منهم ذات يوم يسألونه عن رأيه في أبي بكر رضي الله عنه، يسألونه عن ذلك وقد جاءته من إحدى نواحيه أنباء ثقال ملأت قلبه حزنا وغيظا، فقال لهم محزونا: «أوقد فرغتم لذلك، وهذه مصر قد فتحها أهل الشام وقتلوا واليها محمد بن أبي بكر؟»
الفصل التاسع والعشرون
ثم لم تقف محنته في أصحابه عند هذا الحد، ولكنها تجاوزته إلى شر منه وأقسى، فقد استبان له بعد قليل أن انتصاره في النهروان لم يغن عنه شيئا، على ما كلفه من مشقة وما أعقب في نفسه وفي نفوس أصحابه من حزن وحسرة، فهو لم يقتل الخوارج في النهروان، وإنما قتل منهم جماعة ليس غير، وقد ظل الخوارج معه بعد ذلك يعايشونه في الكوفة، ويعايشون عامله في البصرة، وينبثون في أطراف السواد بين المصرين.
كانوا يعيشون موتورين لا ينسون ثأر إخوانهم الذين صرعوا في النهروان، محتفظين بآرائهم كلها لم تغير الهزيمة منها شيئا، وإنما زادتها قوة إلى قوة، وأضافت إليها قوة أخرى منكرة فظيعة، تأتي من البغض والحقد والحرص على طلب الثأر.
وقد رسمت الظروف لهؤلاء الخوارج خطة محتومة لم ينحرفوا عنها قط أثناء تاريخهم الطويل، وهي أن يكيدوا للإمام ويمكروا به ويخذلوا عنه ويحرضوا عليه، ويدعوا إلى مذهبهم حين لا تواتيهم القوة ولا يسعفهم البأس، فإذا كثر عددهم واستطاعوا مكابرة السلطان خرجوا من أمصارهم مستخفين أو ظاهرين، ثم ابتعدوا مكانا يلتقون فيه، فإذا التقوا أظهروا المعصية وسلوا السيف.
فقد عاش الخوارج إذن مع علي في الكوفة يدبرون له الكيد ويتربصون به الدوائر ويصرفون عنه قلوب الناس وعقولهم، يشهدون صلاته ويسمعون خطبه وأحاديثه، وربما عارضه منهم المعارض فقطع عليه الخطبة أو الحديث، وهم على ذلك مطمئنون إلى عدله، آمنون من بطشه، مستيقنون أنه لن يبسط عليهم يدا ولن يكشف لهم صفحة حتى يبادوه، وهم يأخذون نصيبهم من الفيء وحظوظهم من المال الذي يقسم بين حين وحين، فيتقوون به على الحرب ويستعدون به للقتال.
Bilinmeyen sayfa