Büyük Fitne Ali ve Oğulları
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Türler
يشير إلى قول الله عز وجل:
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
وأرسل ابن زياد إلى أبي بلال وأصحابه عباد بن أخضر في أربعة آلاف، فلقوهم في بعض طريقهم وطلبوا إليهم العودة والبقاء على الطاعة، فردوا عليهم مثل ردهم على أسلم بن زرعة، وأنشب عباد معهم القتال، فقاتلوهم قتالا عسيرا طويلا حتى رأى أبو بلال أن صلاة العصر قد كادت تفوت القوم، فطلب إليهم الموادعة حتى يصلي الفريقان، وأعطاه عباد ما طلب، وأقبل الفريقان على صلاتهما. ولكن عبادا عجل صلاته وصلاة أصحابه أو قطعها، وشد على الخوارج فألفاهم في صلاتهم بين قائم وراكع وساجد، فقتلهم جميعا لم ينحرف لقتاله أحد منهم إيثارا للصلاة على القتال، ووقع هذا الغدر من هذه الفئة الضخمة على هذا العدد اليسير وقتلهم وهم يصلون في قلوب الناس أسوأ موقع، فأما الخوارج فهاجوا وجدوا له في الثأر لإخوانهم، وأما عامة الناس فكرهوا ثم صبروا على ما يكرهون.
أكان المسلمون راضين عن سياسة معاوية أم كانوا عليها ساخطين؟
ما ينبغي أن نلقي هذا السؤال ونحن ننتظر الجواب عليه من المتأخرين من أهل الفرق، فهؤلاء يتأثرون بمذاهبهم أكثر مما يتأثرون بحقائق التاريخ، وإنما الشيء الذي ليس فيه شك هو أن الذين عاصروا معاوية من المسلمين في شرق الدولة وغربها، لو ردت إليهم أمورهم وطلب إليهم أن يختاروا لأنفسهم إماما، وأن يختاروه أحرارا غير مستكرهين ولا مبتغين شيئا إلا صلاح دينهم ودنياهم، لما اختاروا معاوية بحال من الأحوال؛ لأنهم بلوا سياسته وخبروا عماله ورأوا أن أمورهم تصير إلى شر عظيم، إذا قاسوها إلى ما كانت عليه في تاريخهم القريب، فهم يحكمون بالخوف لا بالرضى، ويساسون بالرغب والرهب، لا بما ينبغي أن يساس به المسلمون من كتاب الله وسنة رسوله، وأموالهم العامة ليست إليهم، وإنما هي إلى ملكهم وولاتهم يتصرفون فيها على ما يشتهون، لا على ما يقتضيه الحق والعدل والمعروف.
فالصلات الضخمة تعطى لكثير من الناس تشجيعا لبعضهم على المضي في الطاعة والإذعان، وإغراء لبعضهم الآخر بالسكوت عن الجهر بالحق والقيام دونه، أشراف الحجاز غارقون في الثراء من هذه الصلات، التي تشترى بها طاعة ضعفائهم ويشترى بها سكوت أقويائهم، وأهل الشام غارقون في الثراء موسع عليهم في السلطان لأنهم جند الملك وحماة دولته، وأهل العراق مضطهدون لأنهم بين شيعة لعلي وبين خارج على الجماعة، وبين قوم آخرين يصنع بهم ما يصنع بأهل الشام والحجاز وأهل الأقطار الأخرى مستغلون مستذلون، تجبى منهم الأموال لتحمل إلى الشام فتنفق فيما يحب الملك أن ينفقها فيه.
ودماؤهم ليست حراما على الملك ولا على عماله، وإنما يستحل منها الملك والعمال ما حرم الله، لا إقامة لحدود الدين، ولكن تثبيتا لسلطان الملك.
وما أشك في أن معاوية كان داهية من دهاة العرب وعبقريا في السياسة، ولكن المسلمين الذين عاصروه قد عرفوا قبله أئمة جمعوا إلى العبقرية في السياسة والدهاء في قهر العدو والكيد له عدلا بين الناس ونصحا لهم وصيانة لأموالهم وعصمة لدمائهم، لم يخالفوا عن الدين ولم ينحرفوا عنه قيد شعرة.
وما أشك كذلك في أن الظروف التي أحاطت بمعاوية قد أعانته أو اضطرته إلى سياسته تلك، ولكني كما قلت غير مرة: لا أحاول الحكم لمعاوية أو الحكم عليه، وإنما أحاول أن أتعرف حقائق الحياة في أيامه، ومن هذه الحقائق حقيقة لا ينبغي أن نهملها أو نشك فيها، هي أن المسلمين بعد الفتح، وبعد أن قوي اتصالهم بالأمم المغلوبة وخالطوهم في دقائق حياتهم، كانوا بين اثنتين: إما أن يغيروا طبائع هذه الأمم كلها ويفرضوا عليها طبائعهم، وليس إلى هذا سبيل، فأمور الناس لا تجري على هذا النحو، وهي لم تجر عليه في وقت من الأوقات، وإما أن يغير المغلوبون طبيعة الغالبين ويفرضوا عليهم طبائعهم الأعجمية المتحضرة، وهو شيء كذلك لا سبيل إليه، لم نره كان في وقت من الأوقات.
فلم يبق إلا شيء ثالث هو المنزلة المتوسطة بين هاتين المنزلتين، هو أن يعطي المسلمون المغلوبين شيئا من طبائعهم، ويعطي المغلوبون المنتصرين شيئا من طبائعهم أيضا، وتنشأ من ذلك طبيعة قوام بين الطبيعتين، ليست بالإسلامية الخالصة، أو قل: ليست بالإسلامية العربية الخالصة، ولا بالرومية أو الفارسية الخالصة، ولكنها شيء بين ذلك.
Bilinmeyen sayfa