Fiqh Principles: Authenticity and Guidance
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
Türler
الفارق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية
الفارق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية: لقد عز في هذا الزمان أن تجد فقيهًا عالمًا بالأصول وعارفًا بتقعيد القواعد، فإن رأيت فقيهًا لا يعرف كيف يؤصل ولا يستنبط الحكم منه فاعلم أنه ناقل.
لقد تكلمت مع أحد المشايخ الفضلاء النبلاء في مسألة معينة فلامني على الحكم في المسألة، فقال: هذه تحتاج إلى استقراء، ومعنى الاستقراء: أن تطلَّع على كثير من أقوال العلماء في الفروع التي فرعوها، فأضمرت في نفسي تأدبًا وقلت: لا تحتاج إلى استقراء، لكن تحتاج إلى تقعيد وتأصيل؛ لأني أقول دائمًا: الفرع إذا رددته على الأصل وجدت الحكم، ووالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت كثيرًا من طلبة العلم يسألون عن مسألة ولم يكونوا قد اطلعوا عليها فيجيبون بالإجابة الصحيحة، وهذا الذي جعل بعض مشايخهم يحتفلون بهم، ويعطونهم إجازات خاصة؛ لأنهم كانوا يسألونهم السؤال فيجيبون بأجوبة صحيحة، فينظر الشيخ فيرى أن هذا جواب الحافظ ابن حجر أو جواب شيخ الإسلام ابن تيمية أو جواب النووي، وهذا الطالب لم يكن قد قرأ ذلك، وإنما لأن الله حباه بفهم التقعيد والتأصيل.
إذًا: فالذي عنده التأصيل القوي يستطيع أن يبني بناءً قويًا.
والقواعد هي التي تقوي الفقيه وتقوي فتواه، والقواعد الأصولية والقواعد الفقهية يشتركان ويفترقان، ونحن الآن بصدد الفروق وهي كما يلي: أولًا: القواعد الأصولية منضبطة محدودة، وجزئياتها غير كثيرة، والقواعد الفقهية غير محدودة، بل هي كثيرة، وهذه والحمد لله تبين لنا ميزة هذا الفقه وأنه يسع كل النوازل كما سنبين.
ثانيًا: القواعد الأصولية تنطبق على جميع الجزئيات، مثل الضابط، أما القواعد الفقهية فالراجح: أنها أكثرية وأغلبية ولا تتفق على جميع الجزئيات.
ثالثًا: وهذا الأوضح: القاعدة الأصولية تهتم بدلالات اللفظ، والقاعدة الفقهية: تهتم بفعل المكلف.
مثال ذلك: القاعدة الأصولية تقول: الأصل في النهي التحريم ما لم تأت قرينة تصرفه إلى الكراهة، ويقولون: الأصل في الأمر الوجوب ما لم تأت قرينة تصرفه إلى الاستحباب، ويقول رسول الله ﷺ: (لا تشرب قائمًا)، أو قال النبي ﷺ: (أتريد أن يشرب معك الهر؟ يشرب معك من هو أشر منه)، فهذا أسلوب نهي، والحديث الذي في الصحيحين عن ابن عباس ﵁ وأرضاه قال: (ونهينا أن نكفت الثياب في الصلاة)، فهذا نهي، والأصل في النهي عند الأصوليين التحريم، ونحن الآن لسنا بصدد المسألة الفقهية وإنما نريد أن نبين على أن الأصوليين ينظرون دلالات اللفظ.
والأصل في الأمر الوجوب، قد قال النبي ﷺ: (كل بيمينك) فهذا أمر، الأمر ظاهره الوجوب ما لم تأت قرينة تصرفه إلى الاستحباب، وهذه مهمة الأصوليين.
أما مهمة الفقهاء: فإنهم ينظرون إلى فعل المكلف أي: كيف يفعل في هذه الأوامر والنواهي، هل عنده ضرورات تدخل وتزيح عنه التحريم، أو تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، أو تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؟ فهذا محل عمل القواعد الفقهية.
1 / 8