Fiqh of Fasting and Hajj from Dalil al-Talib
فقه الصيام والحج من دليل الطالب
Türler
حكم ما يصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ
ثم قال ﵀: [كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائع وغيره] إلى آخر كلامه ﵀.
إذا وصل إلى جوفه -والجوف: هو المعدة- أو إلى مجوف -كالحلق أو الدماغ- فإن الصائم يفطر بذلك، إلى جوفه: يعني: إلى معدته، وإلى مجوف: كالدماغ، هذا كله تقرير المشهور في المذهب.
فإذا اكتحل فوصل طعم الكحل إلى حلقه، هل يفطر في المذهب؟ يفطر؛ لأنه وصل إلى مجوف وهو الدماغ، إذا تبخّر فوصل إلى دماغه فإنه يفطر، إذا وضع قطرة في أذنه فوصلت إلى الدماغ فإنه يفطر، إذا جُرح في بدنه جائفة وصلت إلى جوفه فأخذ دواء وأخذ يضع هذا الدواء داخل بطنه حتى يعالج هذه الجائفة أفطر في المذهب، إذا أدخل آلة -كالذي يأخذ تحليلًا- وكالذي يدخل آلة تصوير في باطنه إما من حلقه أو من دبره من أجل أن يصور باطنه -فهذا أيضًا يُفطر بذلك، ولذا قال: [فيفطر إن قطّر في أذنه ما وصل إلى دماغه، أو داوى الجائفة فوصل إلى جوفه، أو اكتحل بما علم وصوله إلى حلقه] مثل ذلك القطرة التي تكون في العين وتصل إلى الحلق، هذا كله تقرير للمشهور في المذهب، وفي هذه المسائل اختلاف بين أهل العلم في الكحول وفي القطرة وفي مسائل أخرى، ومثل ذلك أيضًا -كما تقدم في الدرس السابق- الحقنة إذا أُدخلت في الدبر، فإنَّه -على المذهب- يُفطر بذلك.
القول الآخر في المسألة والراجح وهو اختيار شيخ الإسلام وطائفة من المحققين قالوا: إنه لا يفطر إلا بما يصل إلى معدته أو إلى دمه فيغذي بدنه، وعلى ذلك فلا يفطر إلا بما يعد أكلًا أو شربًا في العُرف، فما يُعد أكلًا أو شربًا فهذا هو الذي يفطر به الصائم، قالوا: لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:١٨٧] ولم ينه الله جل وعلا عن الكحل ولا عن الحقنة ولا عن غير ذلك، قالوا: والشرع قد بيّن مبطلات الصلاة، وقد بيّن لنا نواقض الوضوء، ولو كان ذلك -أي: الذي ذكره الفقهاء- من مفسدات الصوم لبيّنه الشارع كما بيّن لنا نواقض الوضوء؛ لأن الصوم ركن من أركان الإسلام، فلو كانت هذه من مفسداته لبيّنها الشارع الحكيم، قالوا: والمخاطبون الذين نزل القرآن بلغتهم -وهم العرب- لا يعدون الكحل أكلًا ولا شربًا، فلو أن أعرابيًا حلف أن لا يأكل يومه ذلك فاكتحل، فهل يكون قد حنث في يمينه؟ ولو حلف أن لا يأكل ولا يشرب فوضع حقنة في دبره أو وضع قطرة في أذنه أو داوى جائفته فهل يُعد آكلًا أو شاربًا، ويكون حانثًا في يمينه؟ لا.
وهذا القول هو القول الراجح.
إذًا: ما يُعد أكلًا أو شربًا هو الذي يُفطر به الصائم، وعلى ذلك فلو اكتحل -ولو وصل الطعم إلى حلقه- فإنه لا يُفطر، ولو وضع قطرة في أذنه ووصلت إلى دماغه فإنه لا يفطر، ولو وضع حقنة في دبره فإنه لا يُفطر، وكذلك لو تبخّر بالبخور على الصحيح، ومن العلماء من يرى أن البخور مفطّر، والراجح أنه لا يفطّر، لا يفسد به الصوم؛ لأنه -وإن وصل إلى الدماغ- لا يُعد أكلًا ولا شربًا، وقد جاء في البخاري أن ابن مسعود ﵁ قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينًا مترجلًا) وتعلمون أن الذي يدّهن يصل هذا إلى بدنه، ينفذ إلى البدن، ولذا تداوى الأعصاب وباطن البدن بكثير من الأدهان، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الذي يدّهن على بدنه أنه لا يفسد بذلك صومه.
4 / 4