Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Yayıncı
دار الفكر
Baskı Numarası
الخامسة والعشرون
Yayın Yılı
١٤٢٦ هـ
Yayın Yeri
دمشق
Türler
قد تسمع بعض المبطلين من محترفي الغزو الفكري، يقولون:
«إن عصبية بني هاشم وبني المطلب، كانت تكمن خلف دعوة محمد ﷺ وكانت تحوطها بالرعاية والحفظ! .. والدليل على ذلك موقفهم السلبي من مشركي قريش في مقاطعتهم للمسلمين» .
وإنها لمغالطة مكشوفة، لا يتماسك عليها حجاب أي منطق ولو كان صوريا.
ذلك لأن من الطبيعي جدا أن تقود الحمية الجاهلية بني المطلب وبني هاشم إلى الذود عن حياة ابن عم لهم، عندما تتهددها يد غريبة ويدنو إليها بالسوء شخص دخيل.
والحمية الجاهلية، إذ تدفع ذوي القرابة إلى مثل هذا التعصب، لا تنظر إلى مبدأ، ولا تتأثر في ذلك بحق أو بباطل، وإنما هي العصبية ولا شيء غير العصبية.
ولذلك أمكن أن يجتمع في ذوي قرباه ﷺ صفتان متناقضتان بحسب الظاهر، الاستكبار على دعوته والجحود بها، والانتصار له ضدّ سائر المشركين من قريش.
ومع ذلك، فأي فائدة حققوها للنبي ﷺ من وراء اعتصامهم معه؟ لقد أوذوا كما أوذي هو وأصحابه، ومضت قريش في قطيعتها للمسلمين بالضراوة والشراسة اللتين أرادتهما دون أن يخفف بنو هاشم وبنو المطلب من غلوائهما شيئا.
والمهم أن تعلم بأن حماية أقارب رسول الله ﷺ له، لم تكن حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت حماية لشخصه من الغريب، وإذا أمكن أن تستغلّ هذه الحماية، من قبل المسلمين، وسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد لمكائدهم وعدوانهم، فأنعم بذلك من جهد مشكور، وسبيل يتنبهون إليها.
*** أما رسول الله ﷺ، ومعه أصحابه المؤمنون، فما الذي كان يمسكهم على هذا الضيق الخانق؟ .. وأي غاية كانوا يتأملونها من وراء الثبات على الشدة؟ ..
بماذا يجيب على هذا السؤال، أولئك الذين يتأولون رسالة محمد ﷺ وإيمان أصحابه بها على أنها ثورة يسار ضدّ يمين أي ثورة الفقراء المضطهدين ضدّ الأغنياء المترفين؟
تصور هذه السلسلة التي استعرضناها، من حلقات الإيذاء والتعذيب، لرسول الله ﷺ والمسلمين، ثم أجب على ضوئها، كيف يستقيم أن تكون دعوة الإسلام ثورة اقتصادية ألهبها الجوع وقادها الحقد على تجار مكة وأرباب الفعاليات الاقتصادية فيها؟ ..
لقد عرض المشركون على محمد ﷺ الملك والثراء والزعامة، على أن يتخلى عن الدعوة إلى الإسلام، فلماذا لم يرض ﵊ بذلك؟ ولماذا لم يثر عليه أصحابه ولم يضغطوا عليه
1 / 88