Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Yayıncı
دار الفكر
Baskı
الخامسة والعشرون
Yayın Yılı
١٤٢٦ هـ
Yayın Yeri
دمشق
Türler
غزوة أحد
سببها أن بقية من زعماء قريش ممن لم يقتلوا في غزوة بدر، اجتمع رأيهم على الثأر لقتلاهم في بدر، وأن يستعينوا بعير أبي سفيان وما فيها من أموال لتجهيز جيش قوي لقتال رسول الله ﷺ.
فاجتمعت كلمة قريش على ذلك، وانضمّ إليهم غيرهم أيضا ممن يسمّون بالأحابيش، واستعانوا بعدد كبير من النسوة كي يمنعن الرجال من الفرار إذا أحدق بهم المسلمون. وخرجوا من مكة وقد بلغوا ثلاثة آلاف مقاتل.
وسمع رسول الله ﷺ بالخبر فاستشار أصحابه وخيّرهم بين الخروج لملاقاتهم وقتالهم، والبقاء في المدينة، فإن دخلوا عليهم فيها قاتلوهم، فكان رأي بعض شيوخ من المسلمين عدم الخروج من المدينة، وكان عبد الله بن أبي بن سلول من أصحاب هذا الرأي، غير أن كثيرا من الصحابة ممن لم يكن لهم شرف القتال في بدر رغبوا في الخروج، وقالوا: «يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنّا جبنّا عنهم وضعفنا» .. ولم يزل أصحاب هذا الرأي برسول الله ﷺ حتى وافقهم على ما أرادوا، فدخل بيته فلبس درعه وأخذ سلاحه وظن الذين ألحوا على رسول الله ﷺ بالخروج أنهم قد استكرهوه على ما لا يريد فندموا على ما كان منهم، ولما خرج عليهم قالوا: استكرهناك يا رسول الله، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد. فقال رسول الله ﷺ: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته (أي درعه) أن يضعها حتى يقاتل» «١٧» .
ثم إن النّبي ﷺ خرج من المدينة في ألف من أصحابه، وذلك يوم السبت لسبع ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من هجرته ﵊ «١٨»، حتى إذا كانوا بين المدينة وأحد انخذل عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش- وعامتهم من شيعته وأصحابه- وكرّ راجعا بهم وهو يقول: «عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له، وما ندري علام نقتل أنفسنا؟» .
وتبعهم عبد الله بن حرام يناشدهم الله أن لا يخذلوا نبيهم، فلم يستجيبوا لندائه، وقال زعيمهم: «لو نعلم قتالا لا تّبعناكم» . وروى البخاري ﵁ أن المسلمين اختلفوا في أمر هؤلاء الذين انخذلوا عن المسلمين، ففرقة منهم تقول نقاتلهم، وأخرى تقول دعوهم، فنزل في ذلك قوله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَ
(١٧) رواه ابن إسحاق والإمام أحمد، وروى الطبري قريبا منه، وانظر سيرة ابن هشام: ٢/ ٦٢، وتاريخ الطبري: ٢/ ٥٠٠، وترتيب مسند الإمام أحمد: ٢٢/ ٥٢
(١٨) طبقات ابن سعد: ٣/ ٨٧، وسيرة ابن هشام: ٢/ ٦٢
1 / 173