ذلك في صالح البشر في أي زمان أو مكان وهو الأمر المهم الذي يتعلق
بتحكيم الشريعة في دماء الناس وأموالهم لبيَّنه الله سبحانه المحيط علمه
بكل شيء. بل من رأفته قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ .
وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ . وأمثالها كثير من الآيات، قال شيخ
الإسلام ابن تيميه ﵀ (١): وكذلك ما يشترط في القضاة والولاة يجب
فعله بحسب الإمكان، بل وسائر العبادات من الصلاة والجهاد وغير ذلك،
فكل ذلك واجب مع القدرة فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسًا إلا
وسعها إلى آخر كلامه ﵀.
ثم إنه من واقع هذه البلاد إنه يتخرج في كل عام عدد غير قليل من
كليات العلوم الشرعية التي فيها تدرس جملة العلوم الشرعية من الكتاب
والسنة وعلومهما والفقه وأصوله مما لو طبق على ما ذكره الأئمة في شرطية
الاجتهاد وبيانه لوجد ذلك مطابقًا أو مقاربًا. وإنه وإن أصاب البعض قصور
علمي فهو نتيجة للعجز البشري وما يكون في البعض فلا يسري حكمه
على الكل. والعجز البشري أمر ملازم في غالب الناس معهود في تعلم
سائر العلوم الإسلامية سوء كان الدارسون مسلمين أم غير مسلمين، وهذا
مما يدل على أن كمال القوى والقدر لا يتصف بها إلا واهبها سبحانه،
لكن الذي ينبغي بل يتحتم هو حسن الاختيار والاجتهاد فيه وتولية الاختيار
إلى أهله المدركين الناصحين لله ورسوله ﷺ ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وهكذا يكون علاج ذلك عن طريق السنة واقتفاء الأثر والترسم لما كان عليه
الصدر الأول والتابعون لهم بإحسان، ثم يقال على سبيل التنزل: إذا جاز
هذا في حق من ذكرت حاله فما العمل في من هو أهل للاجتهاد، فهل
_________
(١) مجموع الفتاوى ٢٨ / ٣٨٨.