وكم كانت تمس الحاجة لطرق هذا الموضوع لأهميته، فقد أصبحت العلوم السالفة طلاسم ذهبت مفاتيحها بانقطاع السند وقله أهل العلم، حتى حار طلاب العلم في تحصيل العلوم، فمنهم من طرق باب التمذهب عسى أن يجد ضالته.
ومنهم: من طرق باب المتون، ومنهم من ضرب سهم في الحديث، ومنهم ...، ومنهم ...
فما كانت حصيلة هؤلاء إلّا تعقيد الجرير في الجرير، فما كانت بضاعتهم في العير، ولا في النفير -إلا مَنْ رحم ربي- حيث بدؤا مما انتهى إليه الأوَّلون، فلم يعرف هؤلاء درب المتقدمين في التأليف، إنما نظروا لرسمهم فحفظوا نقوشهم.
فهؤلاء كمن وقف أمام قصر عظيم متسع الأركان، كثير الحجرات، فأراد أن يدخل، لكن أبوابه موصدة، فعمد إلى تسوّرِ الأسوار، فبذل جهدًا جهيدًا، فقد يصل أو لا.
كذلك من طرق سبل التعلم دون أن يقف على التصور -إن صح التعبير- لنشأة العلوم وتطورها والطفرات العلمية، وظهور المدارس، وغير ذلك.
فهذا التصور أساس فهم العلوم والتبحر فيها، وجدير بالإشارة أن هذه العلوم لم تكن لها منهجية في حياة الأمة، أو مشروع نظامي، إنما نشأة العلوم وتطورها تكفل إلهي من الله ﷾: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ .
وإنما غاية هذا "الفكر السامي" تصور اجتهادي مع دعم ذلك التصور بالحقائق التاريخية الثابتة، فهذا مؤلف فريد في بابه، عظيم في جوابه، قسم فيه مُؤلِّفه مادته إلى أربعة أقسام:
أ- القسم الأول: سماه: "طور الطفولية"، ويعني: نشأة الفقه، وهو الذي
1 / 6