Modern Arap Düşüncesi: Fransız Devrimi'nin Siyasi ve Sosyal Yönlendirmesindeki Etkisi
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Türler
فعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وفيه يقرر أبو العلاء أن الحكام ليسوا فوق الرعية ولكنهم مأجورون لها، فوجبت عليهم خدمة مصالحها لا ظلمها وكيدها. ... كان أعلام مفكرينا وأدبائنا يتجهون إلى هذا كله في ثنايا التراث القديم، كما يتجهون إلى الثورة الفرنسية ومفكريها والقواعد التي انبثقت منها في أصول الحكم.
فإذا قال الكواكبي: «إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة التي لا تسامح فيها.» نظر أولا إلى التاريخ العربي فقال: «كما جرى في صدر الإسلام فيما نقم على عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وكما جرى في عهد هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا في مسائل النياشين وبناما ودريفوس.»
وإذا كتب الدكتور شبلي الشميل في الاجتماع البشري أو العمران - وقد عرفنا قدره الثورة الفرنسية وأثرها في ارتقاء الإنسان وإصلاح الأحكام - نظر أيضا في ثنايا التراث القديم، فذكر كلمة منسوبة إلى أنوشروان يقول فيها الملك الفارسي: «ورأس الكل افتقاد الملك حال رعيته بنفسه واقتداره على تأديبها حتى يملكها ولا تملكه.» ثم عارض الشميل هذا الرأي برأي سواه خلاصته أن انفراد الملك بالسلطة دونما محاسبة يؤدي به إلى إساءة استعمالها، فيفسد هو وتفسد بطانته ويسري الفساد في الرعية جملة. ثم يعمد الشميل إلى تلاوة أثر من التراث القديم ساقه أبو الفداء في تاريخه، وهو أمر يبين كيف يفسد الحاكم إذا أعفي من المحاسبة وكيف تفسد الرعية، ويبين أيضا أن التراث القديم لم يخل من ذكر شجعان تعرضوا - ولو فرديا - لمحاسبة الحكام المطلقين. ونكتفي هنا بإثبات بعض هذا الأثر:
بينما الخليفة المنصور يطوف بالكعبة ليلا إذ سمع قائلا يقول: اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصور إلى ناحية من المسجد ودعا القائل وسأله عن قوله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أمنتني أنبأتك بالأمور على جليتها وأصولها، فأمنه، فقال: إن الذي دخله الطمع حتى حال بين الحق وأهله هو أنت يا أمير المؤمنين! فقال المنصور: ويحك! وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في قبضتي والحلو والحامض عندي؟ فقال الرجل: لأن الله استرعاك المسلمين وأموالهم فجعلت بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحجابا معهم الأسلحة وأمرتهم ألا يدخل عليك إلا فلان وفلان، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف ولا الجائع والعاري ولا الضعيف والفقير، وما أحد إلا وله في هذا الأمر حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك تجبي الأموال فلا تعطيها وتجمعها ولا تقسمها، قالوا : هذا قد خان الله تعالى فما لنا لا نخونه وقد سخر لنا نفسه، فاتفقوا على ألا يصل إليك من أخبار الناس إلا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا أقصوه ونفوه حتى تسقط منزلته ويصغر قدره، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم عظمهم الناس وهابوهم، فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا ليتقووا بهم على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم، فامتلأت بلاد الله بالطمع ظلما وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء متظلم حيل بينه وبين الدخول إليك، فإن أراد رفع قصة إليك وجدك قد منعت من ذلك وجعلت رجلا ينظر في المظالم، فلا يزال المظلوم يختلف إليه وهو يدافعه خوفا من بطانتك، فإذا صرح بين يديه ضرب ضربا شديدا ليكون نكالا لغيره، وأنت تنظر ولا تنكر، فما بقاء الإسلام على هذا؟
هذا، ولما كان الحاكم يفسد بتحرره من المحاسبة، وكان فساده فساد الرعية أيضا، كان نوع الحكم في المجتمع مفتاح التقدم أو التأخر، السعادة أو الشقاء، وكان الاهتمام بالسياسة أمرا لا بد منه لكل إنسان، ولا سيما رجال الأدب والفكر والفلسفة. وفي أدوار التاريخ وأعمار الأمم عهود خاصة هي عهود الرجات والانقلابات تطرح فيها مسائل الحكم على بساط البحث طرحا لا مناص منه لأحد.
وكان أعلام أدبائنا ومفكرينا يستندون أيضا إلى التراث القديم في تقرير أهمية الدور الذي تمثله السياسة في حياة الإنسان. كانوا يقرءون قول الطرطوشي في كتابه «سراج الملوك»: «إن الإنسان أعز جواهر الدنيا وأغلاها قدرا وأشرفها منزلة، وبالسلطان صلاح الإنسان.» ويقرءون أيضا: «ليس فوق رتبة السلطان العادل رتبة، كذلك ليس دون رتبة السلطان الشرير الجائر رتبة.» وكانوا يقرءون أيضا: «أربعة أشياء ينبغي أن تفسر للفهيم كما تفسر للبليد ولا يتكل فيها على ذكاء أحد: تأويل الدين، وإخلاط الأدوية، وصفة الطريق المخوف، والرأي في السلطان.» فيعزز ذلك مذهبهم في ضرورة الاهتمام بالسياسة وبحث قضايا الحكم.
وإننا لنستطيع أن نمضي في هذا الكتاب إلى غاية يمتد معها أجل الكلام في إثبات التوفيق الذي ذهب إليه أعلامنا ومفكرونا بين الثورة الفرنسية ومبادئها والتراث القديم وصفوة مثله وقيمه، على أننا نكتفي بهذا الشاهد الشعري الأخير من أحد كبار الشعراء في الحقبة الأخيرة. دعي حافظ إبراهيم إلى إنشاء قصيدة في حفلة أقيمت بمصر السنة 1899 ابتهاجا بعيد الدستور العثماني، فقال:
فمن يطلب الدستور بالشر بعدما
حمته يد الفاروق فالله طالبه
Bilinmeyen sayfa