فصرخت مدام دي لامارش صرخة هائلة، ونهضت وهي تترنح ممسكة فؤادها بيديها، ثم عادت إلى لورانس، فرفعت رأسها وتفرست في عينيها تفرسا كأن فيه روح كل منهما، ثم ترامت الأم على مقعد، وابنتها جاثية أمامها، وقالت والزفرات تكاد تخنقها: إنك بذلت نفسك لأجلي! إنك كابدت أشد الآلام، وتحملت الخزي والذل لأجلي! إنك كنت «فدية شرفي»! قالت: أماه، أماه!
وقالت أمها: وكان ذلك القتيل ولدي؟ ... ولكن لماذا لم يتمزق فؤادي حين سقط أمامي؟ وهنا اشتد بكاؤها على ذلك الابن الذي ألجئت إلى تركه منذ طفولته، ولم تستطع معرفة حظه من دنياه، ولم تره إلا يوم قتل أمامها، وإذا بلورانس تقول لها: عفوا يا أماه؛ لأنني لم أقو على كتمان هذا السر زمنا أطول. عفوا لأنني كنت السبب في يأسك وعبراتك؛ ولكن لم يكن في طاقتي السكوت بعدما أمرتني بأن أتكلم، وما غرضي إلا نجاة ابنتي الوحيدة بوليت، ولقد بذلت نفسي ضحية لأكتم سرك، وإني لأبذل العالم كله ضحية لأنقذ ابنتي.
قالت: نعم، وتكونين قد فعلت ما يجب عليك، كما سأفعل ما يجب علي. قالت: فما معنى هذا الكلام؟
فاتجهت مدام دي لامارش إلى الباب، وأطلت على الكونت دي موري والإيطالية، فدعته لدخول البهو، فأرادت كلوديا وأخوها اللحاق به، إلا أن زوجة الأميرال قالت لهما: كلا، بل يأتي الكونت وحده ثم أناديكما بعد هنيهة. فلما خلا الكونت مع لورانس وأمها قالت الأم: اعلم يا روجر أن التي زوجتك بها أنا والأميرال هي نموذج الفضيلة والطهر والعفاف. قال: ولذلك أحببتها فيما مضى إلى حين ... قالت: إلى حين ألقت على عاتقها ذنب غيرها، ورضيت بأن تكون فدية الشرف وشهيدة الشهامة. قال روجر: ماذا تقولين؟ وقالت لورانس: أماه، أماه!
فالتفتت إليها وقالت: ألم تقولي أنك تبذلين العالم كله ضحية لإنقاذ ابنتك؟ أما أنا فإنني لا أبذل إلا سري. قالت: أناشدك الله لا تزيدي كلمة.
فلم تجبها بل قالت: اعلم يا روجر أن التي كانت زوجتك رضيت بالشك يسقط على رأسها ظلما، وبالتهمة تشين عرضها إخلاصا وكرامة؛ فالرجل الذي رأيته عندها لم يكن عشيقها.
قال: ما هذا الكلام؟
قالت: والرسائل التي كانت معه وطرحها في النار لم تكن رسائلها. قال: فرسائل من هي؟ ...
أجابت: رسائلي أنا. قال: لم أفهم مرادك.
قالت: إن الرجل الذي قتلته يا روجر لم يكن عشيقها، وإنما كان ولدي أنا. فبهت روجر وقال: ولدك؟
Bilinmeyen sayfa