وفي ذات مساء دخل عليه الخادم ملطار، وقال له: يعذرني سيدي إذا اجترأت على أن أذكر له أني قد عزمت على ترك هذا البيت. فدهش الكونت وصاح: لماذا؟ أوضح السبب يا ملطار. قال: لقد أدت الحوادث المتوالية إلى طرد الخدم القدماء واستبدالهم بآخرين، فالأفضل أن تسري علي هذه القاعدة أنا أيضا. فأظلم جبين الكونت وقال له: أنت مخطيء يا ملطار؛ لأنك لا تشبه سائر الخدم، وتركك لنا يعد ظلما منك ... فرفع الخادم رأسه وقال: إن سيدي يتكلم عن الظلم، ويعلم الله أنني لا أود تركه إلا لألحق بشخص آخر مظلوم حقيقة.
فصاح الكونت: هذا عجيب منك، أتكون مخلصا لتلك التي ارتكبت الإثم وكست نفسها خزيا وعارا؟!
قال: أما أنا يا سيدي، فلست أعتقد أن سيدتي لورانس أثيمة، ولست أرى ثوب الخزي والعار الذي لبسته بصالح لمثلها.
فارتعد الكونت وقال: أنت مجنون! ومع ذلك فإنك كنت حاضرا حين وقوع الحادث، وشهدت غضبي وانتقامي.
أجاب: نعم يا سيدي، ولكنني لا أصدق ما تصدقه، ولا أثق بما رأت عيناي.
قال: وكنت حاضرا في محكمة الجنايات سامعا الإقرار الذي نطقت به بحضرة الحكام والمحلفين!
أجاب: نعم، وأتذكر كل ما جرى، ولكنني مع كل ذلك لا أصدق كلمة مما سمعت، وعلى سيدي أن يذكر أيضا صوت مدام لورانس إذ كان متغيرا وكأنني لم أسمعه قبل ذلك الحين ... وكان الجنون ظاهرا في عينيها، وقد رأيت بصرها وسمعت صوتها حين نقلت إليها خبر زواجك، فكان الجنون في نطقها والبصر جليا، ومما زادني يقينا؛ أن المسكينة مرضت مرضا ثقيلا كاد يودي بحياتها، ولكن قضى الله بشفائها، فجعلت تتكلم عن ابنتها لتجد رابطة بينها وبين الوجود ... وفكر يا سيدي في أنها لا تستطيع التحدث عن ابنتها إلا معي وحدي؛ لأن جميع الذين تحبهم قد أعرضوا عنها حتى إن والديها طرداها.
وهنا خفت صوت الخادم الأمين وبكى رحمة وشفقة، فتجلد الكونت لئلا يشترك مع خادمه في البكاء، وعطف عليه يكلمه برقة وقال له: إنني بالنيابة عن بوليت أستحلفك على أن لا تترك هذا البيت. قال: بالنيابة عن بوليت؟
أجاب: نعم، وهي قادمة إلى فرنسا، وكنت منتظرا نبأ وصول الباخرة إلى مرسيليا في هذا اليوم، فاضطرب الخادم وقال: سيدتي الصغيرة آتية!
أجاب: نعم، وبعد يومين أو ثلاثة تكون ها هنا، وسوف يبدو لها هذا المنزل خاليا بعدما أنفقت فيه أيام حداثتها مع والدتها، فهي لا تجد أحدا غيري من جميع الذين تحبهم.
Bilinmeyen sayfa