فرفعت العجوز رأسها وقالت: لقد عرفت منهن من قتلها الأسى، وأعرف واحدة منهن لو ظهر عارها لقتلت نفسها.
فأشرف نور على ذهن روبر، وأمسك عن الإفصاح، وخاطب والدته بقوله: لئن كان الأمر كما تقولين، فقد جرت في الحكم وكنت من المخطئين، ولو عرفت تلك الامرأة التي حدثتك عنها منذ هنيهة، أو لو قدرت على مخاطبتها كما أخاطبك الآن لقلت لها: إنني نادم على جوري في الحكم فاصفحي عني.
ثم لم يتمالك أن ثنى ركبته أمام والدته، فأشارت إليه بالنهوض، وقالت: تكرم فأعد كل ما سمعته مني على مسامع تلك الابنة التي تركتها أمها، وكنت تدافع عنها منذ هنيهة، فلعلها تعدل عن أن تتهم والدتها بالإعراض عنها كما كنت تتهمها أنت.
وبعد أن تلفظت بهذه الكلمات خرجت من الغرفة، فمدت الكونتة يدها إلى روبر وقالت له: كيف رأيت يا أخي؟
فاغرورقت عيناه بالدموع وقال: من لي بأن أرتمي على صدرها وأن أناديها «بيا أمي!» فويحي لقد كنت ابنا عقوقا شقيا، وويل لي أنني لبثت ألعنها سنين!
قالت: والآن لا نضيع الوقت يا روبر، فالمال الذي وعدتك به حاضر ... فخذه، وعسى أن يأتيك بالثروة الكبرى التي ترجو الحصول عليها. خذ هذه الأوراق المالية، بارك الله لك فيها، ورأته يتردد، فقالت له: إليك المال!
فاخرج من جيبه غلافا فيه رسائل بخط زوجة الأميرال إلى المرضع التي أرضعت روبر، وفيها تقر بما كان من حملها به؛ أي إن فيها سر مولده، فدفعه إلى شقيقته وقال لها: إليك الرسائل. ثم أبى استلام الأوراق المالية قائلا: لقد كانت الصفقة التي عقدتها معيبة يا لورانس، وما كنت لأبيع رسائل والدتي بعدما رأيتها وشاهدت آلامها ...
فتأثرت الكونتة من إبائه وصاحت: بل خذ المال يا روبر، فما هو بثمن رسائل أمك، ولكنه من أختك التي غدت تحبك الآن.
فصاح قائلا: وأنا غدوت أحبك يا لورانس من صميم فؤادي.
واجتذبها إليه وأخذ يقبلها بلهفة وحنان أخوي حقيقي، وإذ ذاك فتح الباب، ودخل الكونت دي موري، ولما سمعت الكونتة صوت الباب يفتح تخلصت من يدي أخيها ورأت زوجها، فقالت وهي مضعضعة الحواس: هذا زوجي!
Bilinmeyen sayfa