فقالت وهى تضحك: «إنك لا تعرف إلا موضوعين حين تكون معى ... أنا وأبى». قلت: «وأنا.. أليس لى حساب عندك؟ ألا أصلح أن أكون موضوعا ثالثا معكما؟». قالت: «بالطبع.. ولكنك لست شيئا ثالثا.. موضوعك هو موضوعنا، فهما يبقيان اثنين ليس إلا».
قلت بابتسامة أردت أن يكون لها معناها: «صحيح؟ بالذمة»؟ قالت: «يا خبيث ليس هذا ما أعنى». قلت: «هذا الذى لا تعنينه، ما هو»؟ قالت: «طيب اسكت بقى». قلت: «سكتنا يا ستى» ومددت يدى إلى كفها الرخص وأطبقت عليه أصابعى الخشنة، فتركتنى هنيهة ثم سحبت كفها فنظرت إليها فقالت: «أو لا تسكت»؟
فلم أتكلم وأشرت إلى فمى المطبق فضحكت، فهززت رأسى موافقا وأنا أبتسم، فعادت إلى الضحك، فعدت إلى إشارات الاستحسان والرضى. وتكرر هذا مرات، فصاحت بى: «ألا تنطق؟.. أين لسانك»؟. فقلت وأنا أنظر إلى السماء - أعنى إلى السقف فقد كان يحجب السماء: «حرت والله معك.. أسكت طوعا لأمرك فلا يرضيك الصمت. وأتكلم امتثالا لمشيئتك فلا يروقك الكلام فماذا أصنع بالله؟.. كونى منصفة».
فضحكت، فقلت: «عندى اقتراح». قالت: «ما هو»؟ قلت: «هناك ما هو أبلغ من كل كلام وأحسن من الصمت أيضا وإن كان مما يحوج إليه ولا يتيسر الكلام معه».
فزوت ما بين عينيها، وقالت: «ما هذا»؟
قلت: «هل أفهم من تقطيبك أنك غير موافقة سلفا»؟ قالت: «لست مقطبة، ولكنى أفكر». قلت: «لماذا تتعبين هذا الرأس الصغير بالتفكير؟ دعيه مرتاحا وتعالى نعمل بالاقتراح أولا، ثم نفكر بعد ذلك فى جماله وما أفدناه من السرور به». قالت: «ولكن ما هو؟ ألا تقول لى أولا». قلت: «هو ذا» وملت عليها فلثمت فمها ورفعت عينى، فإذا أبوها واقف فى مدخل الباب، فتنحنحت ونهضت وقلت: «لقد كان بيننا رهان.. هى تقول إنك نسيتنى، وأنا أقول إنك لم تنس.. فهل نسيت»؟
فشغله الأمر الجديد عما سبقه، وأنساه ما رآه، وبدا عليه أنه لا يعرف أو على الأصح لا يذكر، هل نسينى أو لم ينسنى. وشعرت الفتاة أن الجو صفا وأن الأزمة انفرجت، فنهضت إليه وعانقته وقالت: «بالطبع نسيت.. أعترف بالحق».
فعادت ذاكرته تحاوره، وسألها: «الحق؟.. أى حق»؟ قالت: «إنك نسيت». قال: «نسيت.. نسيت ماذا»؟ فقلت لنفسى: إنك رأيتنى أقبل فتاتك يا مسكين.
ولقيت الفتاة بعد ذلك مرة، فقالت لى: «هل تعرف أنه يخيل إليه أنه رآنى أقبل رجلا أو أن رجلا يقبلنى، ولكن هذا يطوف برأسه كالحلم.. بل هو فيما يعتقد حلم».
فسألتها: قلت: «ماذا قلت له»؟ قالت: «قبلته فقط وماذا تريد أن تقول له»؟ «وأنا.. أليس لى شىء؟ أزعمينى كأبيك أو عمك وقبلينى .. أم يجب أن أرسل لحيتى أولا»؟
Bilinmeyen sayfa