الصانع، يقول: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ وينسى قول الله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. ملء كوب من ماء البحر فما الكوب من البحر.
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: علمنا قوانين الله التي وضعها للجاذبية، ولكن هل عرفنا ما الجاذبية؟ ما حقيقتها؟ وعرفنا الكهرباء، وكثيرًا من سنن الله فيها وجعلنا لها علمًا، وألّفنا فيها كتبًا، وفتحنا لها في الجامعة أقسامًا، وأقمنا لهذه الأقسام أساتذةً، ولكن هل عرفنا ما هي حقيقة الكهرباء؟
ودرسنا المخَّ وخلاياه وأقسامه، ولكن هل عرفنا ما علاقة المخ بالفكر؟ لقد نبذنا المقالة الحمقاء التي قالها بعض الماديين في القرن التاسع عشر (هيكل أو استرنر): أن المخ (يفرز الفكر كما تفرز الكبد الصفراء) منذ قضى (هنري بركسون) وصحبه على هذا المذهب، ولكنا بقينا على جهلنا بعلاقة المخ بالتفكير، وأكثر منه جهلنا بعلاقة القلب بالإيمان والعواطف، وهل المراد بالقلوب (التي في الصدور) هذا العضو الذي لم نعرف عنه إلا أنه مضخة للدم، ولا نتساءل لم تسرع ضرباته عند الغضب، وتبطيء عند الحزن، فيحمر الوجه أو يصفر، وتظهر عليه تلك الأعراض إن لم يكن إلا مضخة تضخُّ الدم؟
أم المراد بالقلب شيء آخر، لم نعرفه بعد، وأننا حين نقول (القلب) نريد به اللب. كما نميز في الفاكهة قشرتها من لبها ولونها وشكلها، اللذين لا يدلان على العناصر التي تتألف منها، ولا على ما أودع من النفع والضر فيها.
إن اختلت خلايا المخ اضطرب التفكير، كما ينقطع تيار الكهرباء إن انقطعت الأسلاك، ويبطل عمل الرائي (التلفزيون) إن نقص شيء من أجزاء الجهاز. ولكن هل الأسلاك والمصابيح هي الكهرباء؟ إنَّ الذي يعرفه الأطباء عن الدماغ كالذي يعرفه (مصلح التلفزيون) عن جهازه، يكمل نقصه، أو يقوم اعوجاجه ولكن ما أثر ذلك فيما يعرض فيه من ندوات ومسلسلات، وما فيها من الخير أو من الشر؟
إن هذه الكشوف العلمية، وهذه المخترعات الحضارية تقوي الإيمان عند
1 / 9