بدأ الانتظار، وأعدت للتجهيز للزيارة المرتقبة، كانت تحرص على أن تكون في كامل زينتها داخل المنزل وخارجه، اشترت كميات إضافية من مساحيق التجميل الرخيصة الثمن التي تناسب ميزانيتها، ووفرت جزءا من راتبها لشراء ملابس جديدة.
تأخرت الزيارة، فألقت اللوم بداية على أمها لأنها لم تتبع التعليمات، وقامت بإعادة الصور العائلية والبورتريهات إلى أماكنها على الحائط والمناضد، وأزالتها رغم اعتراض أمها.
ثم ظنت أنه عقاب لها؛ لأنها اكتفت في المرة الأولى بثلاث بيضات فقط؛ فتناولت هذه المرة خمس بيضات، وبعد شهور أكملت السبع، ثم كررت محاولاتها كل بضعة شهور، ثم شكت في أن وضوءها لم يكن صحيحا تماما عند قراءة الآيات على البيض، فأعادت محاولاتها، ثم خصصت جزءا من راتبها للتبرع للمساجد والأولياء.
طال الانتظار، وانفض الجمع من حولها، وحضر جمع آخر، أكثر صخبا؛ ففتيات العائلة لم يعدن يأتين بمفردهن، فكل واحدة عادت بأطفالها. في البداية كن يمزحن معها بعبارات حول عمى الرجال عنها، وأنها «ست البنات»، وأن الأيام تخبئ لها الأفضل، ثم تعمدن الشكوى أمامها من المسئولية و«وجع الدماغ» من العيال وتربيتهم، حتى اكتفين أخيرا بالصمت.
وفي يوم فاجأتها صديقة لها بالعمل بأن زميلا لها يريد زيارتهم بالمنزل؛ طار العقل، وتردد السؤال: هل «وفى البيض بوعده؟» نزلت يومها لتشتري ملابس جديدة، وأعادت تنظيف المنزل، واستبدلت المصابيح التي انطفأت أنوارها منذ زمن، وكست وجهها بمساحيقها التي هجرتها.
جاء الزائر، نعم هو سمين بعض الشيء، راتبه لا يكفي لمسئولية بيت، ويسكن مع والدته، لكن لا يهم كل ذلك، المهم أن انتظارها حانت نهايته، ولكن جاءت عباراته بما لا تشتهي أحلامها، نعم جاء طالبا، ولكن ليد أختها الصغرى المتبقية معها بالبيت، والتي رآها في إحدى زياراتها لها بالعمل، فتعلق قلبه بها.
حينها لم تدر بماذا أجابت، وإنما دخلت مسرعة إلى المطبخ وفتحت باب ثلاجتها، حملت كل ما بها من بيض وألقت به في وجه مرآتها، وحينما رأت وجهها مكسوا ببياضه وصفاره، جلست باكية، وارتفع صوتها: «لقد أكلت البيض كله! لقد أكلت البيض كله!»
الساحر
يروق لك جلوسي بين مقاعد معجبيك، أتابعك مشدوها، فيأخذك غرورك، فتفتتني لمساتك وتعيد تشكيلي. تسكنني على بياضك آلاف الأرواح، كعرائس الماريونيتات تحركني، تلبسني حينا وجه تلك العجوز الشمطاء التي لا تعترف بصدق مرآتها، تغمرني بمساحيقها، وتضيف لوجهي ملامح أخرى أكثر صخبا.
تثير ذعري سخريتك، فتعلقني بعنقود عنب يتدلى، فيظلل براءة طفولية تخطو أولى خطواتها للعشق. وقبل أن يتسنى لي اختلاس النظر، تجلسني مرة أخرى بين جماهيرك، تأخذ رأسي بألاعيبك العقلية، فاندفع فجأة بغضب التمرد بين جناحي خنفساء مرقطة، أنشغل بالتسلل ضاحكة مستبشرة وسط ذعر ساكني البيوت، ومطارداتهم.
Bilinmeyen sayfa