فتحت الرسالة، كانت سطرا واحدا:
سأرحل إلى دولة ... بعدما انغلقت الطرق أمامي في وطني، حاولت أن أبقى لتوديعك، ولكنني لم أستطع، فأنا أكره ألم الوداع والفراق.
انطفأ وميض روحها، وأغلقت شاشتها دون أن تدري هل أغلقت حسابها الإلكتروني أم لا.
على الجهة المقابلة يتابع خطواتها المثقلة بخيبتها. في خروجها تلمحه، فترمقه هو والمكان بنظرة باهتة، ينتظر لحظات ثم يقف بصعوبة بالغة، يلحظه عامل المقهى، فيأتيه، لمساعدته، كما اعتاد أن يفعل، يتحمل ترنح ثقل جسده لثوان حتى يعدل موضع عكازه، ويلحقها، فيتبعها حتى يختفي بهاؤها عن مدى بصره.
الخلطة السرية
«مين هيعمل الفول؟» «بابا.» ترد الأفواه الخمسة في نفس واحد، فتبتسم الأم، وتفرغ دماسة الفول متمتمة: «طازة ولسه مستوي حالا.»
يتحلق الأطفال الخمسة الذين تتراوح أعمارهم بين الاثني عشر والثلاثة أعوام حول أبيهم، يتابعونه وهو يعد الطبق الرئيسي على مائدة إفطار يوم الإجازة الأسبوعي، بخلطته السرية التي يمتاز بها.
بحرفنة، يقلب ويهرس حبيبات الفول حتى يروضها بين يديه، رشة كمون، وفص ثوم مدقوق، شوية «زيت تموين»، «هو الأصل مش زيت الأيام دي، لا لون ولا طعم» كما يصفه، ليمونة كاملة، وتكتمل الوصفة.
يبدأ الكل: «بسم الله.» الألسنة تلتهم اللقيمات بتلذذ تتبعها كلمات الإطراء. الأم تقول: «الرك على تدميسة الفول.» بنبرة ساخرة يرد الأب: «الرك على النفس وأنت الصادقة.» ثم يرمقها بنظرة متعالية، يخففها بكلماته: «مطرح ما يسري يمري.»
يغيب الأب لفرصة عمل بدولة خليجية، فتحاول الأم الحفاظ على العادة الأسبوعية، ولكن الأطفال يعقدون المقارنات دائما بين الخلطتين؛ فتفشل المحاولات، ويبقى الفول في قدره أياما حتى يجف.
Bilinmeyen sayfa